theme-sticky-logo-alt
theme-logo-alt

الورقة الأولى – مولدي ونشأتي

0 Comments

مولدي ونشأتي

18/01/2022
ولدت في منزل ملاصق “للقناق” في سراية الجانبلاط (قصر بولاد) وهي دار عربية واسعة مساحتها 5000 متراً مربعاً عرفت في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي “ببيت الأمة”. كانت السرايا و”القناق” الملاصق لها مكاناً لتجمع أفراد الكتلة الوطنية قيادات وأفراد، كما كانت ساحاتها تستخدم لتدريب شباب القمصان الحديدية والحرس الوطني وهما الجناحان العسكريان للكتلة الوطنية.

كانت الدار ملكاً لأسرتنا – آل إبراهيم باشا (قطر آغاسي) – وكان عمّي الدكتور حسن إبراهيم باشا (قاضِ سابق وطبيب) ومعروف (بأبونا حسن بيك)، ووالدي جميل ابراهيم باشا (والمعروف بعمنا جميل بك) رحمهما الله، هما عمداء الأسرة ومن أهم الشخصيات الوطنية الحلبية وقيادات الكتلة الوطنية التي قادت النضال في سبيل الاستقلال من المحتل الفرنسي.
كان جميع أفراد الأسرة يعيشون في الدار الكبيرة أو في بيوت ملاصقة أو قريبة منها في حي الفرافرة الشهير الذي كان في النصف الأول من القرن الماضي يعتبر من الأحياء الراقية في المدينة، وكانت تقطنه كبار العيل المسلمة من السياسيين والتجار والمزارعين (ملاك الأراضي) والصناعيين وموظفي الدولة منذ العهد العثماني.
كانت عائلة  والدي (ابراهيم باشا /قطر آغاسي) كبيرة جداً من حيث العدد والمكانة المجتمعية، وكان جميع أفرادها يعملون في السياسة أو التجارة أو الزراعة، وكانوا وطنيون يؤمنون بسوريا التعددية التشاركية دون تمييز ديني أو طائفي أو أثني، في فترة لم تكن الأفكار العقائدية قد وصلت إلى سوريا بعد ولوثت مجتمعها.
أمّا والدتي فولدت ونشأت في باب النصر القريبة من الفرافرة وكان والدها (جدّي صبحي بكباشي رحمه الله) من كبار تجار حلب وأحد الممولين الأساسيين لنشاطات الكتلة الوطنية. درست والدتي في مدرسة راهبات “الفرانسيسكان” في الثلاثينات وشملت صداقاتها بنات كبار الأسر المسيحية والأرمنية والمسلمة على حد سواء.
كان “القناق” مركزاً سياسياً ومجتمعياً للسوريين في حلب والقرى المجاورة لها، وكان زواره  اليوميون  من كبار قيادات الحركة الوطنية في حلب، وزعماء العشائر والملل والطوائف المحتلفة، وعدد كبير منهم كان أيضاً من الوافدين من محافظات أخرى؛ كذلك كان عدد كبير من المواطنين العاديين من مختلف فئات الشعب يقصدون القناق للقاء قادة المجتمع طلباً للمشورة أو المساعدة في حل قضاياهم المعيشية اليومية.
كان في القناق مطبخ وغرفة طعام يتناول فيها من يرغب من الزوار طعام الإفطار أو الغذاء أو العشاء، كما كانت توجد فيه علية واسعة يمكن للمسافرين الراحة فيها لبضع ساعات بعد أن يغتسلوا من أوساخ السفر في ذلك الزمان.
في تلك البيئة المجتمعية المنفتحة اختارت والدتي الفائقة الجمال الزواج من والدي الذي كان يكبرها بـ 25 عاماً لأنها انبهرت بشخصيته القيادية الفذة واحساسه الوطني الأصيل؛ كان والدي أحد أبرز زعماء الكتلة الوطنية في حلب وكان رجلاً سياسياً يتمتع بشخصية قوية جداً وتاريخ نضالي وتواضع كبير ينبع من حبه للوطن وللسوريين بفئاتهم كافة دون تمييز أو استثناء. شاركت والدتي والدي في نضاله الوطني وساعدت في تهريب الأسلحة إلى المجاهدين الفلسطينيين في فلسطين في الأربعينات من القرن الماضي، وكانت بجواره في كل مرة اعتقله بها الفرنسيون، حيث اعتقل ونفي عدة مرات إلى قرى جبل لبنان.
يعرف والدي بأنه أطرش سياسياً، فقد أصيب بضعف السمع خلال الحرب العالمية الأولى حيث كان ضابطاً في مدفعية الجيش العثماني، فهو من خريج المدرسة العسكرية في الأستانة وكان من رفاق “أتاتورك” “وعصمت أنونو”. ومعنى الأطرش سياسياً أنه كان انتقائياً في طرشه فقد كان يسمع ما يريد فقط. ومن الأحداث المعروفة عنه، أنه في إحدى محاكمات الانتداب الفرنسي، قال له المترجم: حكم عليك القاضي بالسجن 25 سنة في المنفى في لبنان، فقال له والدي، “إيش شو قال” فأعاد المترجم النطق بالحكم، فأجابه والدي، قل لمعالي الحاكم – ليش هو وفرنسا راح نخليهن يبقوا عنا 25 سنة… – وسط تصفيق وقهقهات الحاضرين من المواطنين الذيم أتوا لمؤازرته.

ملاحظة: راجع دار بولاد أو جانبلاط في نافذة أخرى
Previous Post
أوراق مبعثرة – المقدمة
Next Post
الفوضى الخلاقة الاستراتيجية الأمريكية منذ 11/9

0 Comments

Leave a Reply

15 49.0138 8.38624 1 0 4000 1 https://fahedbacha.com 300 0