theme-sticky-logo-alt
theme-logo-alt

الإمارات.. وسقطت ورقة التوت

0 Comments

لم يكن مفاجئاً ما أعلنه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن إتفاق بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، وعن عزم البلدين توقيع بروتوكولات تعاون مشترك في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والسياحية والتقنية والمواصلات والاتصالات، والأهم العلاقات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية.

فمن المعروف أنّ العلاقات بين عدد من الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها، ودولة إسرائيل كانت موجودة منذ أكثر من عقدين (1994)، بشكل سرّي غير معلن، وبالتحديد، دول: الإمارات وسلطنة عمان وقطر والبحرين بأشكال متفاوتة ومن وراء الكواليس. حتى إنّ قطر وسلطنة عمان تقدمتا المشهد بإيجاز فتح مكاتب تجارية بين البلدين وتبادل الزيارات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي، وما يخفى وراء ذلك.

غير أنّ هذه الدول وبمبادرة سعودية، كانت قد وضعت على الطاولة خطّة سلام عربية تقول إنّ شرط الاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل معها، هو قيام إسرائيل بعقد إتفاق مع الفسلطينيين أولاً، يكون هو الثمن المطلوب لإدخال إسرائيل العالم العربي من أوسع أبوابه.

إذاً، لم يكن الإعلان عن الاتفاق مفاجأة لأحد، فهو يمكن تلخيصه، ببساطة، بالكشف عن المستور وسقوط ورقة التوت.

إذاً، أين تكمن المفاجأة الكبرى!؟

تكمن المفاجأة، وللأسف الشديد، بالتنازل العربي الذي فاق كرمه كرم حاتم الطائي بأشواط. فقد قدمت الإمارات ومَن وراءها لإسرائيل الجسر الذي سيؤهلها إلى اختراق ليس دول الخليج فحسب، بل أفريقيا ودول أوروبا الشرقية وكل الدول التي كانت تتردد في دعم إسرائيل استحياءً من البلاد العربية وحفاظاً على مصالحها معهم.

والسؤال المطروح: ما هو المقابل الذي قدمته إسرائيل إلى الإمارات لكي تحصل على صك براءة الذمة التاريخي هذا؟ ما هو السعر الذي جعل العرب يلقون بخطة السلام العربية في سلة المهملات؟

المفاجأة الكبرى كشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتانياهو” في مؤتمره الصحفي مساء يوم الإعلان، عندما قال متبجّحاً ردّا على سؤال إحدى الصحفيات، عن الكيفية التي سيبّرر فيها لناخبيه، خيانتهم بإلغاء ضمّ 30% من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهو الوعد الذي جعل المستوطنين واليمين الإسرائيلي المتطرف يعيد انتخابه على الرغم من فضائح الرشوة والفساد التي تحيط به ، إذ أجاب مبتسماً: أنا لم ألتزم للإمارات بإلغاء قرار الضم بل تعليقه بشكل مؤقت فقط، ولكنني سأبقى ملتزماً بقرار الضم الذي سيبقى الملف الأول على مكتبي لأصدره في الوقت المناسب.

وهنا يأتي السؤال الثاني: ما هو الوقت المناسب يا ترى؟

المذهل في الأمر؛ أنّ “نتانياهو” ما كان ليقوم في كل الأحوال، بإصدار قرار الضم الذي وعد به ناخبيه، ليس تنازلاً للإمارات لإقناعها بتوقيع اتفاق التطبيع هذا، بل إرضاء للرئيس “دونالد ترامب” الذي طلب من نتانياهو عدم المضي في عملية الضم؛ لعدم إحراجه في الفترة الانتخابية الرئاسية، بحيث يظهر وكأنّه يدعم إسرائيل في قرار غير شرعي يناهض قوانين الأمم المتحدة، ويغضب بعض الدول العربية وليس جميعها. أي أنّ الإمارات العربية المتحدة قدمت لإسرائيل هدية مجانية بدون مقابل، بل على العكس ستؤدي خطوتها قطعاً، إلى القضاء الكامل على فرصة تحقيق الدولة الفلسطينية.

فالإسرائيليون ليسوا بأغبياء وخونة كحال زعمائنا، وهم لم يعد لديهم أي حافز لكي يتنازلوا عن طموحاتهم الوطنية ويعطوا الفلسطينيين أي حقوق بعد الآن، فما بالك بدولة فلسطينية ترغب في أن تقاسمهم القدس عاصمة حلمهم الصهيوني.

الفضيحة الكبرى تكمن أيضاً؛ بسرعة تصريحات التأييد التي صدرت عن دول الخليج وعدد من الدول العربية الأخرى وعلى رأسها، مصر السيسي.

لماذا السرعة في إصدار بيانات التأييد في حدث خلافي وخطير كهذا؟

علينا لفهم ذلك؛ أن نعود إلى الأسباب التي دعت أصلاً “ترامب” إلى إعلان النبأ للصحافة بتصريح هوليودي الإخراج، تماماً كما عهدناه.
نجد الأسباب التالية وراء توقيت الإعلان:

1/ يواجه ترامب داخلياً أسوأ فترة في عهده:

– فاستبيانات الرأي العام تظهره متخلفاً عن خصمه “جو بادين” النائب السابق للرئيس “أوباما” ومرشح الديمقراطيين للرئاسة بنسبة 6-12 نقطة، بحسب الولاية وموضوع الاستبيان.

– قام “بايدن” خلال اليومين الماضيين بتسمية: سيناتورة كاليفورنيا “كاملا هاريس” كنائبة له في سباق الرئاسة، الأمر الذي سوف يضيف لبطاقته الانتخابية نقاطاً إيجابية كثيرة، لأنّ “هاريس” آسيوية إفريقية، والدها من جامايكا ووالدتها هندية الأصل. تولت “هاريس” مرتين، منصب المدعية العامة ودافعت عن قضايا الأعراق والأقليات المضطهدة في أمريكا، وهي تعتبر من اليسار المتطرف المطالب بإصلاحات ذات طابع إشتراكي، كالتعليم المجاني، والتأمين الصحي الشامل، ورفع الحد الأدنى من الأجور وغير ذلك من البرامج التي كان يدعو لها السناتور “بيرني ساندرز” الذي كان منافس”جو بادين” الأوّل في سباق نيل ترشيح الحزب الديمقراطي، وبالتالي فإنّ مؤيديه سوف يؤيدون “هاريس” التي تحمل برنامجاً انتخابياً مماثلاً.

– لم يحقق “ترامب” أي نجاح في سياساته الخارجية؛ فسياساته في كوريا الشمالية والصين وأوروبا وروسيا ودول أمريكا الجنوبية، وكندا باءت جميعها بالفشل، لذا؛ فهو بحاجة إلى تحقيق اختراق ما، خاصة إذا كان هذا الاختراق من مستوى إنهاء القضية الفلسطينية، قضية العصر، إلى الأبد.

– فهو الرئيس الملهم الذي أتت سياساته التركيعية والفوقية مع دول الخليج أُكلها، باتفاق تاريخي غير مسبوق يحقق الحلم الصهيوني ويدعم الصديق “نتانياهو” في الداخل الإسرائيلي.

– سوف يتبع هذا المشهد الاستعراضي السياسي الصادم، مشاهد توقيع اتفاقيات التطبيع الفرعية في احتفال هوليودي آخر يقام في البيت الأبيض يحضره الصديق “نتانياهو” ورئيس دولة الإمارات أو ولي عهده.

– يمكننا أن نتوقع إعلانات مشابهة أخرى قبل الانتخابات الأمريكية لإنضمام عدد من دول الخليج أو الدول العربية الأخرى للإتفاق بشكل ثنائي ومباشر مع إسرائيل. فموسم الاحتفالات ما لبث أن بدأ، لكنه لن ينتهي سريعاً، وسوف تحدده بوصلة حاجة الرئيس “ترامب” إلى إنجازات يمكنه أن يستخدمها في سباق الانتخابات.

2/ يواجه ” نتانياهو” بدوره فترة عصيبة داخلياً:

– فهو متهم بالفساد والرشوة ويخضع للتحقيق الداخلي ومهدد بحكم قضائي.

– وعد “نتانياهو” منتخبيه من سكان المستوطنات والمتطرفين اليمينيين في الانتخابات الأخيرة في نيسان، أنّه سيقوم بضم 30% من الضفة الغربية التي أسماها “يهودا والسامرة” فور انتخابه. فكان لا بد لرئيس الوزراء الإسرائيلي من الاستجابة لطلب صديقه الحميم “ترامب”.

– لذا، كان على نتانياهو تبرير هذا التأجيل المؤقت، فكان التطبيع مع الإمارات هو المخرج المناسب الذي يحقق له ذلك ويظهره كبطل قومي قدّم للإسرائيليين ما كانوا يسعوا له منذ تأسيس دولتهم.

– هذا الاتفاق سوف يفتح لإسرائيل أبواب العالم العربي على الأصعدة كافة، الإقتصادية والمالية والتجارية والتكنولوجية وغيرها، وعلى رأسها الصعيدان الأمني والعسكري، فإسرائيل سوف تصبح الضامنة الرئيسية لأمن دول الخليج في مواجهة التهديد الإيراني.

3/ فقد تمكنت إدارة ترامب من إقناع دول الخليج بأن إسرائيل لا تشكل لهم أي تهديد وعلى العكس فهي ستكون الداعم الأكبر لهم والضامن أمام التهديدات الإيرانية المبنية على أجندة طائفية توسعية.

4/ لذا فقد فضلت دول الخليج ضمان أمنها الذاتي مقابل التضحية بالقضية الفلسطينية التي كان الفلسطينيون هم أول من خانوها، بداية بعقد إتفاق أوسلو أو بإنقساماتهم الداخلية التي أدت إلى اصطفاف بعض فصائلهم وراء الأجندات الخارجية وعلى رأسها الأجندة الإيرانية. كذلك، فدول الخليج لم تنس موقف الفلسطينيين المعادي لهم والمؤيد لصدام حسين عند اجتياحه لدولة الكويت.

5/ فالمحور الإسرائيلي الأمريكي أصبح الملاذ الآمن لدول المنطقة في مواجهة أي تهديدات خارجية لأنظمتهم. بدا ذلك واضحاً في لجوء السودان إلى التطبيع مع إسرائيل، واجتماع رئيس وزرائها مع نتانياهو في أوغندا؛ الأمر الذي أدى على الفور، إلى إزالة العقوبات الاقتصادية عنها وتوفير بعض القروض والمساعدات، والوعد بشطب اسمها من قائمة الإرهاب.

6/ لن تعارض أوروبا أي تحالف أو اتفاق ظاهره سلمي، خاصة إذا كان يصب في مصلحة إسرائيل برضى عربي وأمريكي، فالأوروبيون لن يكونوا أكثر غيرة على الفلسطينيين من أنفسهم، ومن أشقائهم في الجامعة العربية، ولن يزايدوا على العرب ودول الخليج ومصر وسوريا، لفهمهم حقيقة ما يجري والبيئة الجيوسياسية التي تتحكم في المنطقة اليوم بقيادة إسرائيلية مطلقة من خلال ذراعها الأمريكية الترامبية.

7/ أمّا روسيا، فهي سعيدة بكل ما يخدم إسرائيل، فاليهود الروس أصبحوا الجالية الأكبر في إسرائيل؛ فهم يشكلون حوالي 19% من عدد السكان، ولهم ممثلون في الوزارات السيادية الإسرائيلية.

8 /المفاجئ أنّ سوريا صرحت باسم مستشارة الرئيس بثينة شعبان في مقابلة مع قناة الميادين، أنها لا تعلم ماهي مصلحة الإمارات في مثل هذا الإتفاق. بالطبع، فالإمارات العربية سبقت كل ذلك بتحسين علاقتها مع دمشق بإعادة فتح سفارتها ودعم الإقتصاد السوري المنهار، والنظام السوري لن يستهتر بمثل هذه المكتسبات فهو على الدوام مع من يدفع أكثر.

النتيجة:

1 يعتبر هذا الإتفاق الإسرائيلي الإماراتي الضربة القاضية لإقامة دولة فلسطينية، ليس لأهمية الإمارات ولكن لأهمية الخلفية التي ارتكزت عليها الإمارات للقيام بمثل هذا التحول وما سوف يتلو ذلك من إنضمام دول عربية أخرى إلى هذا المسار الأمريكي الإسرائيلي، ضمن إطار “صفقة القرن” التي أصبحت فعلاً واقعاً يحتاج إلى الوقت للإعلان عنه.

2 تعيش البلاد العربية أحلك ظروفها منذ قرن من الزمن، فهي منقسمة ومقسمة، مهددة اقتصادياً وعسكرياً ومذهبياً، خسرت بعدها القومي على حساب نمو التعصبات المذهبية والدينية والقومية التي تشكل فسيفساء بناها المجتمعية.

3 سوف يعتبر هذا الإتفاق إنجازاً تاريخياً لكلّ من ترامب ونتانياهو؛ فهو مفتوح للاستخدام الخاص داخلياً، ولاستثماره في العلاقات الخارجية الدولية والعربية.

سقطت ورقة التوت وظهرت عورات الأنظمة العربية، فلا ضرورة بعد الآن إلى العمل وراء الكواليس.

المرحوم الملك حسين هو أوّل الضاحكين في قبره.

Previous Post
هل تخلّى العرب والعالم عن فلسطين؟
Next Post
قتل الخاشقجي مرتين

0 Comments

Leave a Reply

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

15 49.0138 8.38624 1 0 4000 1 https://fahedbacha.com 300 0