أي جهنم أفضل؟
كنت أتساءل على الدوام لماذا جعل الله من الموت حقّ على الانسان؟ وأين سنذهب بعد ذلك؟
اليوم إزددت إيماناً بضرورة الموت والحكمة منه. لقد وصلت إلى مرحلة أكره فيها نفسي ووجودي وبقائي على قيد الحياة وأتمنى أن يأتي يوم “الحق” هذا بسرعة.
لم أعد أحتمل أن أرى وأسمع ما يدور من حولي على كل الصعد والمستويات.
كفرت بكل ما تربيت عليه ونشأت عليه، وترعرت عليه، حتى ذكرياتي الجميلة أصبحت سراباً وكأنها كانت كذبة. لم أعد أستطيع حتى أن أسمع أو أقرأ ما يكتبه الإعلام. بدأت بكره أعمى للإعلام العربي ثم الأمريكي فالبريطاني، والآن الاعلام الأوروبي، باقي لي بعض المنصات الإعلامية الحرة لبعض الإعلاميين الانسانيين الذين يدافعون عن الحق. فقدت المجتمعات أبسط المعايير. تدهورت الأخلاق، وفقدنا الاحترام لأنفسنا أولاً وللآخرين. “الأنا” تفوقت على كل شيئ، فهي تبرير للفساد، والبذخ المفرط، والقتل، والإجرام، والإرهاب، والتخلّف المبرر بتطيق الشرائع الدينية، والتعصب الطائفي والأثني، والتطرّف في المعتقدات والأفكار وعدم قبول الآخر. فقدت الصداقة قدسيتها، والزمالة مفهومها، والحب عذريته، والعطاء نقائه. كل شيء له ثمن ومقابل.
حتى أفراد الأسرة الواحدة فقدوا حرارة التواصل وأصبحوا أسيرون لأدواتهم الإلكترونية وهم يجلسون في غرفة واحدة أو يقطنون في منزل واحد، أو مبعثرون في أرجاء المعمورة بين طالب للعلم أو لاجئ أو مهجر أو معتقل. أصبحنا نلعب الشطرنج والألعاب المجتمعية الأخرى إلكترونياً دون أن نتبادل كلمة واحدة، أو تحية. نرسل بطاقة معايدة على الفيسبوك! أو الموبايل بدلاً من أن نزور بعضنا بعضاً ونحتفل سوياً في المناسبات أو نعزي بعضنا في الأحزان. الأسواْ أنّ العالم فقد أخلاقياته، ما نراه اليوم من قتل وتدمير وقمع وتشريد وتهجير وحروب باسم المؤامرات الكونية، ومحاربة الارهاب مقززة للنفس، تشعرنا بأننا لم نعد بشراُ. حتى أسلوب التخاطب والاحترام بين الدول ورؤساء العالم وطبقات النخبة أصبحت في الدرك الأسفل.
من يتابع الانتخابات الأمريكية، يدرك أنّ البلد الذي طالما سوق نفسه إلى العالم كبلد الأحلام والديمقراطية، قد انتهى وأنّ السباق الحالي على الرئاسة والكونغرس قد فقد كل معاني الأخلاق والإحترام المتبادل بين النخبة التي ينبغي أن تحكم الشعب.
الثلاثة الكبار؛ روسيا “بوتين” والصين وأمريكا تدعم ديكتاتوريات العالم، وتشجعهم وتشاركهم على قتل شعوبهم وتجويعهم وتهجيرهم سواء بشكل مباشر أو بفيتو يردع العقاب الأممي الشكلي لممارساتهم المجرمة.
العالم العربي ككل لم يعد صالح للعيش. لقد أضعنا كل أمل في أن نشارك في صنع الحضارة، فقدنا الأمل في المستقبل، فقدنا شعورنا الوطني والقومي. مرغت كرامتنا وأحلامنا بالتراب، تكسرت أحلامنا على صخور خيانات ملوكنا وأمرائنا ورؤسائنا وتبعيتهم وبيعهم للأوطان وكرههم لشعوبهم. علينا أن نعيش بذل وجوع وحرمان وجهل، نركع لزعماء يتمسكون بالسطة المغتصبة على حساب الدمار الكامل لأوطانهم والفناء والتهجير لشعوبهم. يتحالفون مع الشيطان في سبيل الحفاظ على كراسيهم وعروشهم، يقتلون معارضيهم، يقطعون أوصالهم، حتى أمعنوا بالتستر على الكورونا فهي تساعدهم بالتخلص من عدد أكبر من الناس الذين ربما يعارضونهم يوماً ما.
زعماءنا الحقيرون باعوا فلسطين بل أهدوها للعدو دون مقابل، طبعوا معه بأمل أن يكون ذلك صك تأمين لهم ولكراسيهم وأعراشهم الذليلة وها هم اليوم يشاركونه في قتل وتدمير وتهجير وإبادة الفلسطينييون في غزة والضفة .
أينما سنذهب بعد الموت سيكون أفضل من البقاء على هذه الأرض الملعونة.
جهنم الآخرة أرحم – من دون شك – من جهنم الأرض.