هل اجتماع أبها المنتظر سيكون الطائف السوري
هل اجتماع أبها المنتظر سيكون الطائف السوري – العد التنازلي
منذ أكثر من عام، وبالتحديد منذ أن أدرك العالم كله فشل كل من الائتلاف السوري والحكومة المؤقتة بتمثيل الشعب السوري؛ بدأ الحديث عن أن السعودية وبمباركة أمريكية سوف تدعو جميع أفرقاء المعارضة السورية إلى مؤتمر لتشكيل هيئة جديدة (بديلا أو رديفاً للائتلاف) تمثل الثورة السورية في المفاوضات التي طالما كانت مرتقبة وفقاً لمقررات جنيف. غير أن التطورات التي تتالت بعد ذلك منعت من حدوث ذلك:
[box type=”info” fontsize=”16″]
- سُمح بخلق تنظيم داعش الارهابي وتسليحه، مما غيّر من المعادلة السياسية المطروحة على العالم؛ الخيار بين التطرف الارهابي بلباس ديني كاذب، أو نظام ركّز إجرامه على شعبه ووطنه وتاريخه ولكنه كان الحامي الأول لمصالح اسرائيل (وحُشرت هنا الأقليات معها حشراً).
- تفاقمت خلافات السوريين وزادوا فرقة وانقساماً وولدت معارضات جديدة منها الداجن ومنها التابع ومنها العميل، وانقسمت إلى معارضة تعيش في الداخل وأخرى في الخارج، ومن بين الاثنين الرموز التاريخية من شيوخ المعارضة ومثقفيها من أساتذة جامعات ومثقفين هم نفسهم الذين صادروا الثورة منذ ولادتها وأساؤوا تمثيلها.
- وفاة خادم الحرمين الشرفين رحمه الله وما تلاه من تغيّر في تركيبة الحكومة السعودية الجديدة وتوجهاتها وتورطها عسكرياً في حرب اليمن وصراعها الصامت مع الولايات المتحدة الاميريكية على ضوء اختلافهما على ملفي ايران واليمن.
- توقيع أمريكا اتفاقها النووي مع إيران وتحول هذه الأخيرة إلى قوة اقليمية لم يعد بالامكان تجاهلها، ومحاولة أمريكا فرضها شريكاً رئيساً في عملية صناعة القرارات الاقليمية.
- انتهاء الصراع الداخلي في تركيا بتفويض أردوغان وسياسته المعادية للأسد والتي تشكل المرتكز الأخير الباقي لمنع تقسيم سوريا خوفاً من انتقال ذلك إلى تركيا.
- وأخيراً، والأهم هو استعادة روسيا المبادرة ودخولها بقوة من بوابة الشرق الأوسط لتفرض نفسها كقوة عظمى تدافع عن مصالحها وتؤثر في رسم الاستراتيجيات السياسية والاقليمية.
[/box]
كل ذلك، وأمريكا تتلهى بإدارة الأزمة وتطبيق الفوضى الخلاقة والسعي إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات غير مستقرة ستكون دائماً بحاجة الى حماية ما من الدول الاقليمية الأخرى في المنطقة أو الدول العظمى الأمر الذي يحقق حلم الصهيونية “اسرائيل من الفرات الى النيل”. وهي اليوم منشغلة بالحملة الانتخابية القادمة والظهور بمظهر القائدة الاولى في التحالف العالمي الذي يهدف القضاء على الارهاب.
في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وفي استعادة سريعة للذاكرة؛ كان العالم يائساً من امكانية انتهاء الحرب اللبنانية وسط موزاييك الميليشيات وتقاطع مصالح الدول العربية والقوى العالمية التي كانت قد اختارت لبنان حلبة للاقتتال والتحارب خلال الخمسة عشر سنة التي سبقتها أي منذ نيسان/ أبريل 1975. حتى المسيحيين كانوا يتقاتلون فيما بينهم في تلك الفترة (الجيش بقيادة العماد المنشق ميشيل عون من جهة والقوات اللبنانية الملطخة أيديها بدماء كل البنانيين من حلفاء وأعداء على السواء من جهة أخرى).
وفجأة، وبقدرة قادر، اتخذ القرار الأممي في مكان ما بضرورة إنهاء الحرب اللبنانية؛ دعت السعودية جميع الفرقاء اللبنانيين إلى الطائف وتمّت صناعة اتفاق خرج منه المسيحيون أكبر الخاسرين، وحزب الله أكبر الرابحين بعد أن جرى تلميع صورته، ووزعت الحقائب والأموال وعقود إعادة البناء والتوريد والتخصيص إلى غير ذلك من المنافع. رفض عون الاتفاق وهدد بسجن النواب إذا ما عادوا إلى لبنان وكان جعجع متردداً ولكنه مدركاً أنه خارج دائرة صنع القرار. وخلال شهر أعطي الضوء الأخضر للنظام السوري بقصف القصر الجمهوري، وخلال ساعات انتهت قصة حكومة عون المنشقة وفرّ البطل من ورق الى السفارة الفرنسية طالباً اللجوء السياسي تاركاً جنوده ليواجهوا مصيرهم الأسود. ووافق جعجع على الانخراط بالطائف وسلمت القوات اللبنانية أسلحتها مثلها مثل باقي الافرقاء عدا حزب الله اللبناني فاحتفظ به – قيل عندها بشكل مؤقت – تحت قناع المقاومة، ولكن تبين لنا فيما بعد بأن دوره في المنطقة لم يكن قد انتهى بعد وأن دوراً تقسيمياً طائفياً إقليمياً سيكون بانتظاره بعد عقدين من الزمن.
والسؤال المطروح الآن… ما هو السيناريو المتوقع أن يحصل في السعودية؟
لقد شاهدنا أن الروس دخلوا على الأزمة السورية بشكل فاعل بعد أن كانوا مكتفين حتى الآن بدعم النظام على المسرح السياسي الأممي ومن خلال توفير الدعم العسكري له بالخبراء والعتاد والخدمات اللوجستية والمخابراتية. تدخّل الروس كان بعد أن استنفدت كل الطرق الأخرى وفشل الأسد فشلاً ذريعاً على الأرض وبات نظامه مهدداً من داخل النظام ومن خارجه فترك سوريا لقمة سائغة إلى إيران وحزب الله وبات القرار في سوريا يتخذ في طهران أو من يمثلها. وحيث لروسيا مصالحها الخاصة التي تريد أن تديرها مباشرة لا بالوساطة من خلال حلفاء الأسد حتى ولو كانوا حلفائها أيضاً، فإنها قررت التدخل المباشر لأخذ الحصة الكبرى في مستقبل المنطقة.
دخل الروس بحجة القيام بحرب استباقية ضد داعش هدفها القضاء على رأس الأفعى في الحرب على الارهاب. بدأ الروس بدعم الأسد بقصفهم لمقرات الجيش الحر والفصائل المقاتلة معه باسم أنهم يقصفون كذباً مقرات داعش، وذلك لكي يتيحوا لمرتزقة الأسد أن يستعيدوا أكبر مساحة ممكنة تمهيداً لفرض وقف إطلاق نار بقرار أممي وإبقاء الحال على ما هو عليه وفق مخطط تقسيمي مؤقت (سنتين) حتى نهاية مدة الديكتاتور المجرم بعدها ستنضج المتغيرات القادمة على الساحة الاقليمية والدولية الصيغة النهائية للحل. روسيا تريد أن تكون عرابة الحل وتجعل من سوريا “كوبا” الشرق الاوسط.
يبدو أن أمريكا الضعيفة ترغب أن تترك روسيا تجرب حظها في سوريا علها تغرق في مستنقعها وتحرق أصابعها، وهي سياسة المشاهدة وافساح المجال للأحداث كي تخلق الحلول وللزمن كي ينضجها.
السعودية تريد أن تبقي الحال على ما هو عليه من خلال وقف لاطلاق النار أو هدنة للمتحاربين (قد تطول وتقصر بحسب التطورات الاقليمية والعالمية) لأنها – أي السعودية – تعرف جيداً أنّ الوقت غير مناسب لها كي تدخل في معركة كسر عظم مع إيران قبل إنتهاء فترة حكم أوباما. فإيران مدللة أوباما والاتفاق النووي الذي عقده معها هو النجاح الوحيد الذي يفتخر به على المستوى الخارجي خلال فترتين كاملتين من إدارته. ولكن السعودية ومن وراءها دول الخليج يريدون الحصول على نوع من البيعة المعلنة من كل فصائل المعارضة السورية عدا الارهابية منها بالتحدث باسمهم في المحافل السياسية صانعة القرار لكي تكون ندّاً في مواجهة إيران المفوضة أصلاً بتمثيل النظام.
ترى ماذا سيكتب التاريخ عن اجتماعات أبها القادمة وكيف ستؤثر في مستقبل سوريا والمنطقة.
كل ما نتمناه ألا تكون أبها طائفاً ثانياً؛ لا من حيث وسائل الإقناع المفسدة، ولا من حيث آليات التطبيق، ولا من حيث الاستثناءات وما يخفى من ملفات وقرارات، ولا من حيث التخطيط الاستراتيجي للمنطقة على حساب أمن سوريا ومستقبل أبناءها.
نريد سوريا للسوريين ولأبناءهم ولإعادة بناء وطنهم وإبراز حضارتاهم. على المدعويين من السوريين إلى أبها أن يعوا تماماً مسؤولياتهم ويحاولوا العودة من النافذة السعودية إلى المشاركة في صنع القرار السوري. عليهم أن يدركوا أن تفويت الفرصة الأخيرة سيكون مدمراً لوطنهم فليتقوا الله ولو لمرة واحدة، نرجو منهم نسيان أجندات مكوناتهم والتصالح والعفو الذكي، وينسوا تفضيل مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن….
عليهم أن يدخلوا الاجتماعات وهم يحملون رايات:
“لسنا للبيع”
“نحب سوريا”
“الوطن أولاً، الوطن أبداً”
“ما يريدوه السورين: الحرية والكرامة والديمقراطية والتعددية والدولة المدنية”
والله الموفق