دار جانبلاط (دار ابراهيم باشا قطرآغاسي)
دار جانبلاط (الشهير بيت الأمة)
تقع دور آل قطاراغاسي في حي الفرافرة في مدينة حلب الشهباء، وكان هذا الحي يعتبر من الأحياء الراقية في المدينة، كان تقطنه كبار العيل المسلمة من التجار والسياسيين وأصحاب الصناعات وكان منهم كبار موظفي الدولة في العهد العثماني (نظراُ لقرب الحارة من السرايا الحكومية)، لذا كان الجيل القديم من سكان هذا الحي يستخدم الكثير من الكلمات والألفاظ التركية والفارسية(كما ذكر ذلك الشيخ الغزي).
كانت دور هذا الحي كبيرة في مساحتها تشمل على الحدائق والأحواض المائية والنوافير. مما يؤسف له أن معظم هذه الدور هي مهملة اليوم أو جرى تحويلها إلى مراكز صناعية أو تجارية أو مستودعات.
وفي اقتباس لما ورد في كتاب أحياء حلب القديمة د.محمود حريتاني ص:153:
(واخطر ما يهدد ما بقي من أبنية الفرافرة هو الإهمال أولا، وتغيير وظائفها السكنية ثانيا. بحيث أصبحت الدور الرائعة ورشات ومستودعات لأنها تقع بجانب حي السويقة التجاري، وتخزّن فيها مواد خطرة تؤدي أحداثها إلى كوارث كما حدث مؤخرا في بيت الأميري حيث أصابه الحريق ولم يتبق منه إلا القليل).
إذا أردنا إن نعرف ماضي وحاضر ومستقبل هذا الحي فعلينا زيارة دار آل قطاراغاسي (ابراهيم باشا)
كتبت تيفاني فطيمي باحثة آثارية سورية-هنغارية. تخرجت بأعلى تقدير من قسم الآثار في جامعة حلب. عملت مع عدد من أبرز الخبراء في عدة مواقع أثرية في سورية وأوروبا وتكمل الآن دراسة الماجستير في آثار الشرق الأدنى في جامعة هايدلبرغ في ألمانيا.
يقع دار جان بولاد بالقرب من باب النّصر، الذي يعتبر أحد أبواب حلب السبعة القديمة. بُنِيَ في القرن السّادس عشر وكانت مساحته حوالي 5000 م2. كانت تعود ملكية القصر لبني الإصبع قبل أن يقوم جان بولاد الذي كان مقرّباً من السّلطان سليمان القانوني بشرائه، ومعنى اسم جان بولاد هو روح الفولاذ. امتلك هذا الدّار أيضاً مفتي مدينة حلب الشّيخ حسن أفندي الكواكبي. أمّا خلال الاحتلال الفرنسيّ، فكان الدّار مكاناً لتجمّع أفراد الكتلة الوطنيّة وتدريب ما يسمى حرس القمصان الحديدية الذي كان تابعاً للكتلة الوطنية، لأنّ صاحب الدّار آنذاك كانا الأخوين أبونا حسن بك وعمنا جميل بك الذين كانا من أهم الشخصيات في الكتلة الوطنيّة، وقد وُهِبَا 15% من الدّار للأوقاف واستُخدِمَت باسم مدرسة الغافقيّة والتي عرفت في السبعينات وحتى بداية الألفية الثالثة باسم إعدادية سيف الدولة، بعدها رممت لجنة حماية المدينة القديمة قسما منها وجعلتها مقرا لها، ووضعت الدار تحت حماية اليونيسكو وبقي القسمان الآخران على حالهم من الإهمال والتخريب، وقد علمنا أن خطة قائمة لترميمها. وبعد ذلك هُجِرَ المبنى.
بالرغم من تغيّر ملكية دار جان بولاد إلاّ أنّه بقي بتصرّف العائلات الأرستقراطيّة الحلبيّة حتّى عام 1950م، وإنّ أكثر عناصره الإنشائيّة، حتّى في أسوأ حالاتها، تركت آثاراً واضحة تسمح بمعرفة أفضل من القصورالأخرى ومتابعة تطوّر العمارة المدنيّة والأهليّة خلال فترة الانتقال من العصر المملوكيّ إلى العصر العثمانيّ.
كان مدخل القصر صغيراً وبسيطاً، مشابهاً لباقي مداخل البيوت الحلبيّة القديمة. يؤدي الممرّإلى باحة كبيرة وإلى إيوان أزرق ضخم، يبلغ ارتفاعه 30 متراً. هذا الإيوان يعتبر الأكبر ليس في حلب فقط بل في سوريا أيضاً، ولا يوجد له مثيل في الحجم إلّا في أصفهان. جدرانه مكسيّة بالقاشاني الأزرق. كانت الغرفة الغربيّة من الإيوان غرفة المفكّر عبد الرحمن الكواكبي.
في وسط الباحة يوجد حوض ماء كبير، والذي يعتبر من أكبر الأحواض الموجودة في بيوت حلب القديمة، تبلغ مساحته 10,50م×16,30م×65سم. يقع الإيوان الصغير الشّتويّ في الجهة الشّماليّة مقابلاً الإيوان الكبير، يتناوب اللونان الأصفر والأسود في واجهة الإيوان الشّتويّ، مشكّلان الطراز المعماريّ المسمّى الأبلق، والذي تضرّر خلال الحرب الحاليّة في سوريا.
فُصلت بعض العناصر المعماريّة عن القصر واستخدمت لأغراض مختلفة: خانات، مصبنة، وبيوت. بعض العناصر المعماريّة السّكنيّة الواضحة لم تكن من عمارة الفترة العثمانيّة إطلاقاً، ويمكن إعادتها إلى نهاية الفترة المملوكيّة.
تبدّل النسيج العمرانيّ للحيّ بشكل كبير، إذ أُعيد تنظيمه في فترة حكم الأتراك العثمانيين، وبشكل خاصّ في فترة التجديد أو على الأقلّ فترة التبدّل الاجتماعيّ والاقتصاديّ والفراغيّ الهامّ.
وكان مؤسفاً وضع القصر في عام 2011، فقد كان مُهملاً وغير مُعتنى به من قبل مالكيه. فكان بالإمكان ترميمه واستخدامه لأهداف مختلفة، ونظراً لأهميّة وندرة هذا القصر في العالم العربيّ، من أهمّ هذه الاستخدامات هو استقبال الزوّار كمعلم أثريّ وسياحيّ.
المراجع التي تم اعتمادها في كتابة المقالة:
أوابد سويقة علي جان كلود دافيد، ترجمة: محمود حريتاني 2010، و تقصّي خطى الدّولة العثمانيّة في حلب لمياء الجاسر وآخرون 2010، و معالم حلب الاثريّة عبد الله حجّار 2010.
دار جان بولاد (جنبلاط)، أبهى قصور حلب
0 Comments