خاطرة مونديال 2014
في بداية مونديال 2014 بدأت البحث عن الفرق التي تستحق أن يشجعها شخص مثلي يتابع كرة القدم لمدة شهر كل 4 أعوام حتى يشعر بأنه من الشريحة الكبرى من بني البشر والتي يبلغ عددها أكثر من 3.5 مليار مشجّع لهذه اللعبة الشعبية في كل دول العالم.
وأنا بالطبع من المتابعين من ذوي المراس الصعب الذين يرغبون في أن تكون الفرق التي يشجعونها تمتاز بمواصفات خاصة. على الفرق أن تتقن فنون كرة القدم وأن تلعب كفريق يكون بين أعضائه تعاوناً وانسجاماً، فأكثر ما يزعجني اللعب الانفرادي. على الفرق أن تقدم لنا جديداً في تطبيق تقنيات الدفاع والهجوم وتحويل الكرات وعلى لاعبيها أن يتميزوا بأخلاق عالية، وأن لا يحاولوا الاحتيال على الحكام بتمثيل سقوط او مخالفة لاكتساب ضربة جزاء أو ضربة حرة أو ركنية. على اللاعبين أن يكونوا قدوة في الاخلاق لانهم نجوم عالميون يتابعهم المليارات من الشباب في كل أنحاء العالم، لذا عليهم عدم ممارسة العنف ضد أعضاء الفريق الآخر والحرص على عدم الحاق أي ضرر جسدي بهم.
وكمعظم مشجعي كرة القدم فأنا من المعجبين التقليديين بالفرق التاريخية كالبرازيل وإيطاليا وألمانيا واسبانيا والأرجنتين وفرنسا. ولكن بعد متابعتي للمراحل الاولى لهذه البطولة وجدت أن هولندا والمكسيك والولايات المتحدة الاميريكية هي أفضل الفرق تتبعها المانيا التي هي على الرغم من جودة فريقها إلا أنه أقل من مستوى الفريق الالماني الذي عهدناه.
الأهم من ذلك كله هو شعور غريب عاد لي بعد طول غياب، هزّة عارمة وقشعريرة عمت جسدي ودموع تساقطت على وجنتي وأنا أسمع النشيد الوطني الجزائري يُعزَف في هذا المحفل الدولي.
1
قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزاكيات الطاهرات
و البنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
2
نحن جند في سبيل الحق ثرنا
و إلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنة البارود وزنا
و عزفنا نغمة الرشاش لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
دارت بي الايام وعاد الزمن بي الى طفولتي، وتذكرت كيف كنا ننشد هذا النشيد معتزين بالبطولات التي كان يسطّرها أبطال الثورة في الجزائر، والتضحيات والآلام والمعاناة التي كان يعيشها الشعب هناك تحت وطأة الاستعمار الغاشم. كان العرب من المحيط الى الخليج يخوضون نضالاً وطنياً شريفاً في سبيل تحرير أراضيهم المغتصبة ويرفعون راية القومية العربية والوحدة كطريق وحيد لاسترجاع فلسطين المغتصبة وبناء وطن كبير يعيد للشعوب العربية حريتها وكرامتها. كانت الشعوب والقوميات الأخرى في المنطقة ترى شركائها العرب نصيراً وحليفاً تربطها بهم الكثير من المقومات الأساسية الصالحة لبناء وطن واحد يرفع رايات التعددية والعدل والمساواة.
كان الفريق الجزائري في اولى مبارياته فريقاً متكاملاً مَثَّل كرتي القدم العربية والافريقية بفخر واعتزاز، وكان حارس مرماه شامخاً شموخ الجبال الشامخات الشاهقات وهو يتصدى لعدد لا محدود من التسديدات من مختلف الزوايا والمسافات. سالت دموعي على خدي وأنا أرى الامكانيات الكامنة في شعوبنا لكي تواكب ركب الحضارة وتنافس كل شعوب العالم وتساهم معهم في نماء الحضارة.
الجزائر من جديد مثلت كل شعوب الشرق الاوسط أفضل تمثيل، واعادت لنا ولو لساعات معدودة الامل بأن تعود شعوبنا يوماً لتحلم حلمها العربي الكبير.