الفوضى الخلاقة الاستراتيجية الأمريكية منذ 11/9
الفوضى الخلاقة هي الاستراتيجية التي وضعتها “كوندوليسا رايس” )رئيسة الأمن القومي ومن ثمّ وزيرة الخارجية الأمريكية في حكومة “جورج بوش الابن”(، بعد هجوم 11/9 على مبنيي مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن.
أدت هذه السياسة إلى مقتل الملايين من الأبرياء في كل من أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وعديد مناطق الشرقين الأوسط والأدنى.
ارتُكبت أفظع جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتهجير والتنكيل والإزاحة باسم هذه السياسة على مدى العقدين الماضيين. تسونامي من الفوضى السياسية والمجتمعية والعسكرية والانسانية شمل العديد من الصراعات الأثنية والدينية والطائفية والمذهبية ذهب ضحيتها ملايين الأبرياء من أطفال ونساء ومسنين، وما زال:
- حرب أفغانستان التي دامت عشرون عاماً، والانسحاب بل الفرار المخزي للجيش الأمريكي من كابول وتسليم البلد من جديد لارهابي طالبان هو من نتاج سياسة الفوضى الخلاقة.
- تدمير العراق وتقسيمه عرقياً وأثنياً ودينياً ومذهبياً وتدمير كل الركائز المجتمعية فيه وتحويله إلى ولاية فارسية هو من نتاج سياسة الفوضى الخلاقة.
- تدمير سوريا وتقسيمها وانسحاب أمريكا من المنطقة لحساب روسيا وإيران وإطلاق يد تركيا في الشمال السوري، وتهجير وقتل وإزاحة وتغييب الملايين من السوريين، هو من نتاج سياسة الفوضى الخلاقة.
- حرب اليمن والسودان وليبيا والالتفاف على ثورات الربيع العربي بأكملها وترسيخ ديكتاتوريات جديدة في المنطقة هي من سياسة الفوضى الخلاقة.
- تأجيج الصراع السني الشيعي وجعله الأخطر على أمن شعوب المنطقة ومستقبلهم، هو من نتاج سياسة الفوضى الخلاقة.
- صفقة القرن واستسلام دول الخليج والدول العربية غير المشروط وقبولها التطبيع مع اسرائيل دون مقابل، هو من نتاج رئيس من مخرجات الفوضى الخلاقة.
- حرب أوكرانيا وانجرار الغرب وروسيا إلى مواجهة مدمرة هي أدت إلى أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة هي أيضاً من نتاج الفوضى الخلاقة.
عملية طوفان الأقصى هي – من وجهة نظري – ليست إلا نسخة جديدة متطورة وخطيرة جداً من سياسة الفوضى الخلاقة.
لم يشهد العالم حالة من التوتر والفوضى في ظل غياب كامل لأي نظام عالمي جديد ضابط للعلاقات الدولية، مثل ما يشهده اليوم. فقد وصل النظام العالمي الذي تلا الحرب العالمية الثانية إلى الانهيار التام، وأعلن النظام الأممي فشله الذريع وانتهاء صلاحيته. فقد أثبت مجلس الأمن فشله الكامل وشلله التام، ونظام الفيتو أصبح عائقاً بل سداً منيعاً أمام تحقيق العدالة ونصرة الحق في العالم.
من ناحية أخرى:
- أمريكا منقسمة داخلياً: مجتمعياً وسياسياً وتخوض تحدّ خطير وصراعاً داخلياً لاأخلاقياً يشكك في نجاعة ديمقراطية نظامها.
- أوروبا تشهد مراجعة شاملة لنظام اتحادها بعد وصول عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة، وازدياد الأصوات المعارضة للمواقف الأوروبية الموحدة تزداد يوماً بعد يوم حتى وصلت إلى وقف بعض الدول من دعمها إلى أوكرانيا في حربها، وانتقاد بعض الدول الاوروبية موقف رئيسة المفوضية الأوروبية “أوروسلا فادر لاين” في دعمها المطلق والأعمى لإسرائيل في حرب طوفان الأقصى.
- روسيا أعادت ترتيب أوراقها وبدأت بقلب الطاولة في أوكرانيا وشكلت حلفاً قويا في مواجهة الغرب مع الصين والهند وإيران والعديد من الدول الافريقية والشرق أوسطية ودول أمريكا اللاتينية، ورفعت ميزانية تسلحها بنسبة 64%.
في خضم كل هذه الفوضى قامت حماس بعملية طوفان الأقصى!!!!؟؟؟؟
ماذا أرادت حماس من هذه الهجمة العسكرية التي حتى ولو نجحت عسكرياً ومخابراتياً وسياسياً، فشلت إنسانياً وأخلاقياً فشلاً مدوياً.
إذا كان الهدف من عملية “طوفان الأقصى” تحريك المياه الراكدة التي وقعت فيها القضية الفلسطينية بين صفقة القرن والاعتراف المجاني لعديد الدول العربية باسرائيل، ورداً على الانتهاكات المستمرة للمستوطنين لعرب الضفة الغربية وبشكل خاص تلك الأخيرة للمسجد الأقصى، فإنّ تمادي قوات القسّام المهاجمة بقتل مدنيين وأطفال وشيوخ وخطفهم قد أفرغ العملية الناجحة من مهنيتها العسكرية وحولها بنظر العالم إلى عمل إرهابي لا إنساني بشع يندى له الجبين.
كان ينبغي الاكتفاء بمهاجمة القواعد والوحدات العسكرية وأسر أكبر عدد ممكن من الجنود، وعلى العكس تماماً؛ مساعدة المدنيين الاسرائيليين الذين وقعوا في تقاطع نيران العملية، على النجاة والاحتماء في أماكن آمنة.
اليوم، شعب غزة أطفال ونساء وشيوخ يدفع ثمناً باهظاً جداً من الشهداء والمعاناة الانسانية لم يشهدها العالم من قبل. وقع الغزاويون في مستنقع سياسي دموي وعسكري حماسي التخطيط والتنفيذ واسرائيلي اللؤم والإجرام لا تستطيع كل الأطراف المتصارعة الخروج منه:
- ضربة حماس الناجحة والمفاجأة أحرجت الحكومة الإسرائيلية وأفقدت بنيامين نتانياهو كل مصداقية وأظهرت أنّ قوة الجيش الاسرائيلي ومخابراته كذبة كبيرة (إلا إذا كان غض الطرف مصطنعاً للسماح إلى إسرائيل في القيام بهولوكوست القرن 21 ضد الغزاوييين).
- نتانياهو متمسك بحقه الشرعي في الرد الهمجي وإبادة غزة وشعبها انتقاماً لشرفه وتاريخه السياسي الذي أصبح في الحضيض. يريد أن يعيد إلى الاسرائيليين الكرامة ويمسح عن جيشه وأجهزة مخابراته الإهانة القاتلة التي حفرت في 7 أكتوبر في تاريخ اسرائيل.
- سقط القناع بالكامل عن دول ما يسمى بمحور المقاومة ومرتزقتهم ( إيران وسوريا وحزب الله وغيرهم)، فهي لن تغامر بالتورط بهذا الصراع بل تخاف أن يمتد إليها لحاجة نتناياهو فعل ذلك. لأنها تدرك أن اندلاع حرب اقليمية سيكلفها وجودها وأكثر.
- حماس أثبتت أنها لا تهتم بسلامة شعبها فهي حفرت مئات الكيلومترات من السراديب لحماية قواتها دون أن تحفر ملجأ واحداً لحماية أطفال وشيوخ ونشاء غزة أو حتى ملاجئ في المستشفيات والمدارس.
- الزعماء العرب والمحللين السياسيين المحسوبين على محور المقاومة كوئام وهاب ورموز القيادات المالية الفلسطينية عبروا عن مقتل الآلاف من الأطفال الأبرياء بقولهم من يولدوا كل يوم هم أكثر ممن يقتلوا وأن النساء الفلسطينيات هن ولادات لتقديم أطفالهن للشهادة في سبيل الوطن. هذا ما قاله عدد من المسؤولين الفلسطينيين وعلى رأسهم طلال أبو غزالة.
الحقائق الوحيدة البينة الآن بعد 30 يوماً من القتال هو أنّ:
- العالم يعيش حالة مخذية من الناحية الانسانية تفتقر إلى الحد الأدنى من العدالة الأممية والأخلاق الانسانية وأي نوع من العدالة والشرعية الدولية.
- وأنّ الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ما بعد طوفان الأقصى لن يكون أبداً كما كانا قبله.