العيد السبعون لمنظمة الأمم المتحدة – هل هي قصة نجاح أم فشل؟
في 26 حزيران، احتفلت الأمم المتحدة بالعيد السبعين لتوقيع 50 دولة من دول العالم ميثاق تأسيسها لتكون منبرا أممياً. هل من المفترض أن تحتفل الأمم المتحدة بهذا العيد أم تعتذر من الجنس البشري على ما سببته له من مآسي وقتل وجوع وفقر. اجتمعت دول العالم وأسست هذه المؤسسة لتحافظ على السلام العالمي وتعمل على ارثاء أخلاقيات أممية تحافظ على حقوق الانسان وتقضي على العنصرية وتنهي الرق والعبودية وتضع قوانين تمنع الحروب وتعزز التعاون بين الدول من أجل ارساء السلام وتعزيز العلاقات بين الدول لخير البشرية جمعاء.
وكانت دول العالم بعد الحرب العالمية الأولى في عقب مؤتمر باريس للسلام قد شكلت عصبة الأمم (58 دولة) وكانت أهدافها الحفاظ على السلام العالمي ومنع قيام الحروب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، كما ورد في الاهداف الأخرى التي كانت عصبة الأمم قد وضعتها نصب أعينها: تحسين أوضاع العمل والعمّال، معاملة سكّان الدول المنتدبة والمستعمرة بالمساواة مع السكّان والموظفين الحكوميين التابعين للدول المنتدبة، مقاومة الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية وأسرى الحرب، وحماية الأقليّات العرقية في أوروبا. مثّلت فلسفة الدبلوماسية التي أتت بها عصبة الأمم نقلة نوعيّة في الفكر السياسي الذي كان سائدًا في أوروبا والعالم طيلة السنوات المائة السابقة على إنشائها، وكانت العصبة تفتقد لقوة مسلحة خاصة بها قادرة على إحلال السلام العالمي الذي تدعو إليه، لذا كانت تعتمد على القوة العسكرية للدول العظمى لفرض قراراتها والعقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لقرار ما، أو لتكوين جيش تستخدمه عند الحاجة، غير أنها لم تلجأ لهذا أغلب الأحيان لأسباب مختلفة، منها أن أعضاء العصبة كان أغلبهم من الدول الاستعمارية العظمى التي كانت مصالحها تتعارض مع ما تقرّه الأخيرة من قرارات، فكانوا يرفضون التصديق عليها أو الخضوع لها والتجاوب معها، وغالبًا ما قام بعضهم بتحدي قراراتها عنوة وأظهر احتقارًا لها ولمن أصدرها. أثبتت العصبة عجزها عن حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على جميع الدول دون استثناء، عندما أخذت دول معسكر المحور (ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان) تستهزئ بقراراتها ولا تأخذها بعين الاعتبار، وتستخدم العنف تجاه جيرانها من الدول والأقليات العرقية الموجودة في أراضيها، خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين. كان نشوب الحرب العالمية الثانية بمثابة الدليل القاطع على فشل العصبة في مهمتها الرئيسية، ألا وهي منع قيام الحروب المدمّرة، وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تمّ حل العصبة.
وعندما تشكلت الأمم المتحدة كجسم أممي بديل عن عصبة الأمم، ارتكز تشكيلها من جديد على هيكل هرمي يمنح الصلاحيات التنفيذية والقرارات الحاسمة للدول الثلاثة الكبار التي فازت في الحرب العالمية الثانية وهي: روسيا وأمريكا وبريطانيا، ومن ثم تمّ أضيفت إليها فرنسا والصين لتصبح الدول العظمى خمسة وهم ما يعرفوا اليوم بالخمسة الكبار. فقاعدة الهرم الأممي الجديد هو الجمعية العامة والمنظمات الأممية الأخرى التي تعنى بشؤون الاغاثة واللاجئين والمحكمة الدولية واليونيسكو وغيرها من منظمات أممية بينما أنيط القرار السياسي بمجلس أعلى سُمي بمجلس الأمن الدولي ويتألف من 15 دولة عضو منهم خمسة أعضاء دائمين وهم الخمسة الكبار وعشرة أعضاء غير دائمين. تنتخب الجمعية العامة الأعضاء غير الدائمين في المجلس لفترات مدة كل منها سنتان يتم تبديل خمسة أعضاء منهم كل سنة، اختيار الأعضاء الغير دائمين يتم من قبل الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس وتتم الموافقة عليها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
سيطر الأعضاء الدائمون على قرارات مجلس الأمن من خلال تمتع كل عضو منهم بحقه بالاعتراض مستخدماً حق الفيتو.
1- والـ «ڤيتو» كلمة من أصل لاتيني، تعود جذورها لمطلع القرن السابع عشر، وتعني «أنا لا أسمح»، وهي مصطلح كان الرومان قد استخدموه سابقاً للاعتراض على قرارات الساسة.
2- والفيتو هو أحد خيارات التصويت المجلس والذي يتطلب صدور قرار عنه موافقة 9 أعضاء من أصل 15، شريطة أن يكون بين الأعضاء الموافقين الأعضاء الدائمين.
3- يقتصر استخدام هذا الحق على الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس «الولايات المتحدةالأمريكية، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين» للاعتراض على القرارات، دون بقية الأعضاء العشرة مؤقتي العضوية.
4- لم يرد ذكر لفظ حق الاعتراض «ڤيتو» في «ميثاق الأمم المتحدة» التأسيسي صراحة، ولكنه ورد بصورة ضمنية في الفقرة الثالثة من المادة 27 في الفصل الخامس من الميثاق، والتي تنص على ما يلي:
- يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد.
- تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه.
- تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام
- الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت.
5- بموجب هذه الفقرة أصبح يحق للدول دائمة العضوية تعطيل صدور أي قرار بمجرد عدم إجماعهم عليه، ولو باعتراض عضو واحد منهم.
6- استخدمت الدول الخمس الكبرى حق الـ«ڤيتو» في قضايا يتعلق أغلبها بالتحكم في سير الصراعات الأممية، كان آخرها الأزمة السورية والأوكرانية، بمنع معاقبة أطراف أو التدخل الدولي من عدمه في إدارة الأزمة.
- تحتل روسيا المرتبة الأولى من بين هذه الدول في استخدام الـ«ڤيتو»، بعدد مرات بلغ 79، بينها 68 مرة في حقبة وجودها تحت لواء الاتحاد السوفيتي، و11 مرة وهي دولة روسيا الاتحادية منها 3 بشأن الاعتراض على قرار أممي يدين النظام السوري.
- تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثانية بعدد مرات بلغ 78، نصفها تقريبًا كان معارضة منها لمشروعات قرارات تتعلق بصراعات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، حيث كان آخر استخدام «ڤيتو» من الولايات المتحدة في ديسمبر 2014 ضد مشروع قرار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية.
- أما بريطانيا فاستخدمته 32 مرة وفرنسا 18 مرة والصين عشر مرات منها 3 بشأن حماية النظام السوري.
ومنذ تشكيل الأمم المتحدة في نسختها الجديدة المطورة عن عصبة الأمم، اندلعت الحروب الكبيرة والصغيرة في كل مكان وكأن الهدف من تشكيل المنظمة كان اشعال الحروب وزيادة مستوى القتل والتدمير. فمن اغتصاب فلسطين الى حرب الكوبيتين الى حرب الصين فالحرب الباردة وحرب فييتنام وكمبوديا وحروب الاقليات في الهند الصينية الى انفصال باكستان وبنغلاديش وحرب قناة السويس وحرب حزيران ورمضان الى حروب أفغانستان والخليج وحرب تحرير الكويت واحتلال العراق وحروب البوسنة والهرسك والشيشان.
منذ تأسيس المنظمة زُرعت الديكتاتوريات – التي غالباً ما كانت عسكرية – أو نصب الملوك والقادة العملاء بطريقة أو أخرى؛ في الشرق الآوسط وشرق آسيا وجنوب أمريكا وأفريقيا، وفي كل منطقة أو بلد أرادت القوى العظمى توظيف عملاء لها للسيطرة عليه. قام هؤلاء الحكام بالدور الذي وجدوا من أجله؛ فنهبوا ثورات البلاد، وبعثروا نواتجها القومية ودمروا الاقتصاد ولم يؤسسوا هياكل لمؤسسات دولة، كما قضوا على القضاء وسيطروا على الاعلام. والأهم أنهه هؤلاء الحكام لم يخلقوا جيوشاً وطنية تدافع عن البلاد بل خلقوا جيوشاً وميليشيات مسلحة من المرتزقة الموالية للحاكم أو لدول متطرفة مارقة (ايران واسرائيل). خاضت هذه الجيوش العميلة حروباً بالوكالة وتسابقت للدفاع عن أنظمة حكمها ضد شعوبها أو استدارت والتفت على الثورات وتمكنت من وئدها والسيطرة عليها. شاهدنا أنّ هذه الجيوش لم تتوان عن قتل شعبها وقصف المدن والقرى وحرق المحاصيل وحتى تدمير الآثار وحذف التاريخ.
ومنذ السبعينات من القرن الماضي قامت الأمم المتحدة مع سيدتها الكبرى الولايات المتحدة الأميريكية باستخدام التطرف الديني كسلاح في الحرب الباردة. فمولت وشجعت وجيشت المسلمين للهجرة الى أفغانستان لمواجهة المد الشيوعي الروسي آنذاك وزودتهم بالأسلحة النوعية فخلقت النواة الاولى للتطرف الاسلامي وسمحت بتأسيس قواعده المالية والاقتصادية من منظمات خيرية وبنوك اسلامية وشركات تأمين تكافلية. تطورت هذه المؤسسات وشكلت كولوسيوم اقتصادي كبير قائم بذاته أصبح مصدراً مهماً في تمويل التطرف والارهاب الديني، من طالبان الى القاعدة فداعش وأخواتها.
أمام كل هذا التدمير والحروب المتعددة والمجازر والتهجير تقف الأمم المتحدة متفرجة قاصرة وعاجزة تماماً عن ايجاد الحلول.
والسؤال هل علينا أن نحتفل بالذكرى السبعين لتأسيس الأمم المتحدةأ أم علينا أن نلعن الساعة التي تأسست فيها ونطالب بهدم هذا الكابوس البيروقراطي واستبداله بنظام أممي جديد تكفل حقوق الشعوب وتحميها من سيطرة الخمسة الكبار على مقدراتها. المطلوب حكومة أممية تعمل وفقاً لنظم وقوانين ثابتة تتميز بالعدالة والمساواة والتعددية، يكون فيها الانسان مواطناً عالمياً يحترم جميع البلدان والاديان والطوائف والقوميات. هل العقل البشري عاجز عن تحقيق مثل هذا الانجاز، أم أنه ممنوع عليه أن يحققه.