الانسانية سقطت في باباعمرو…
عندما يظل العالم صامتاً على قتل ممنهج وإبادة جماعية يومية لسكان منطقة أو حي أو مدينة أو قرية يدوم لعدة أسابيع فهذا يعني أن العالم متواطئ مع القاتل من دون استثناء، بل هو القاتل نفسه. لقد سأمنا من المحاضرات والدروس والمشاريع الأميركية والأوروبية ذات المعايير المتعددة ولا نقول ذات المعايير مزدوجة فقط.
اليوم يشهد العالم بضمير بارد مدناً وقرى سورية محاصرة منذ أكثر من شهر. شعب كامل محاصر دون ماء أو طعام أوخبز أو أي مادة يمكن أكلها أو استخدامها للعلاج أو الاستخدام الانساني. نداءات الإغاثة التي تبكي الحجر لا تجد من يصغي إليها أو يتجاوب معها. يحاول ثوار الداخل بل سكان الشوارع والمناطق المجاورة ببطولة غير مسبوقة تسخين ساحاتهم للفت الانتباه إليها لعل ذلك يخفف من القتل الممنهج الذي تقوم به كتائب النظام في المناطق المستهدفة دون جدوى.
ماذا يفعل العرب؟ يبتكرون الحلول السياسية التي لا جدوى منها: يعتقدون أنهم نجحوا في القضاء على الثورة اليمنية بحل هوائي لا يستند على أي ركيزة ثابتة تلبي ولو 10 بالمائة من مطالب ثوار اليمن. يريدون منا قبول حل شبيه بما قدموه في اليمن، ونقول لهم، أعذرونا يا سادة إن قراءاتكم الخاطئة منذ 1948 وحتى اليوم أوصلت العالم العربي إلى ما هو عليه من تخلف علمي واجتماعي وإنساني وحضاري وسياسي. الشعب السوري لا يقبل بأقل من إسقاط الحكم البعثي-الأسدي بالكامل، هذا النظام الذي اغتصب السلطة في سوريا وبقي يرزح على صدورنا منذ 50 عاماً. ثورتنا يا عرب لم تنطلق لتقبل أنصاف الحلول، وشهداؤنا لم يستشهدوا لنتاجر بأرواحهم، وأطفالنا ونساؤنا لم يقتلوا لنساوم على دماءهم. ساعدونا بدعمكم المالي واللوجستي لشعبنا وجيشنا الوطني الحر، ادعمونا سياسياً بالضغط على أمريكا والغرب ودول العالم بنجدة شعبنا السوري الثائر وجيشنا الوطني الحر دون قيد أو شرط. ساعدونا بالضغط على روسيا والصين وتهديد مصالحهما في الدول العربية والافريقية والاسلامية كافة في حال استمرارها في دعم النظام السوري الفاشي المجرم. ساعدونا بوقف ابتكار الحلول التافهة التي تلتف على طموحات شعبنا ولا تلبي آماله وتطلعاته.
وماذا يفعل العالم؟ إنه يدين بالكلام، ويتهدد ويتوعّد من على المنابر الدولية والاعلامية، ويعقد الاجتماعات والمؤتمرات ليعطي المهلة تلو الأخرى لهذا النظام لكي ينفذ خططه الاجرامية القمعية لعله يحقق تغييراً نوعياً على الأرض يبقي على وجوده ليضمن حماية اسرائيل واستمرار الاحتلال للأرض العربية ويشعل النزاع الطائفي في المنطقة ويهدد أمن دول الخليج لدفعها إلى التسلح وإعادة المال العربي إلى الغرب بوسائط عدة. العالم أعطى النظام وقتاً لنهاية شهر مارس/آذار تلبية لطلب روسي ووعداً بالقضاء على الثورة وإنهاءها قبل انتهاء تلك الفترة وحصل على الضوء الأخضر منذ زمن بعيد يعود إلى زيارة بافلوف الأولى إلى سوريا وما تبعها من مبادرة عربية أولى وثانية فزيارة بافلوف الثانية لإعادة تقييم الموقف على الأرض وما تبعها من فيتو روسي صيني مزدوج وهرولة من العرب والغرب لعقد مؤتمر أصدقاء سوريا التافه وما صدر عنه من قرارات لا ترقى لتلبية الحد الأدنى من الحاجات الانسانية والمطالب الثورية للشعب السوري لتمكينها من التصدي لكتائب النظام المجرمة واسقاطه بالكامل.
الانسانية سقطت والمثاليات التي تدعيها أمريكا ومن يدور في فلكها تبيّن أنها ليست إلّا سراباً لا يسقي من ظمأ شعوبنا العربية إلى الحرية والديموقراطية والعدالة والكرامة. العالم يحرّم علينا هذه المبادئ، فها هو يئد الثورة اليمنية ويحاول الالتفاف على الثورات في مصر وتونس وليبيا ويعمل على إفشال الثورة السورية لكي يوقف المد الثوري الذي قد يطال باقي أعوانه وعملائه في المنطقة. قد يقبل العالم بأنظمة عميلة بديلة ولكنه سوف يحارب أي ثورة وطنية حرة ديموقراطية فالأنظمة التي قد تنتج عنها لن تقبل ببيع الجولان أو التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني أو بيع الغاز إلى اسرائيل بنصف ثمنه العالمي الخ… وغيرها من المؤامرات وعلى رأسهم وأهمهم على الاطلاق منع تطوير الانسان العربي.
أدوات تحقيق تلك المآرب واهية ولكنها عديدة، التلويح بالحكم الاسلامي القادم وتخويف الاقليات والطوائف من حروب أثنية وطائفية تهدد وجودهم بل تعمل على تهجيرهم من المنطقة التي عاش فيها أسلافهم منذ آلاف السنين.
وهنا أصرخ بوجه العالم أجمع، صرخة مدوية، بابا عمرو والانشاءات وادلب وحماه والرستن وغيرهم من المدن المنكوبة سوف تبقى شامخة شاهدة على بطش هذا النظام وإجرامه ولاشرعيته، والشعب السوري باقٍ بتعدديته الاثنية والطائفية، الشعب السوري سينتصر والطاغي المستبد الجلاد ساقط لا محالة مهما قدمتم له من دعم وأعطيتموه من فرص، وأنتم ومن معكم في الداخل من فئات مرتزقة أو أخرى صامتة عليهم أن يواجهوا بعد نجاح الثورة استحقاقات مواقفهم المخزية من مصالح ووجود وقبول وبقاء.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر.
فهد ابراهيم باشا