الارهاب بعد 13 عاماً من اعلان امريكا الحرب عليه
فوجئ العالم في 11 ايلول 2001 بقيام مجموعات ارهابية عزيت بانها مجموعات تنتمي الى القاعدة باختطاف 4 طائرات مدنية أمريكية لاستخدامها في تنفيذ 4 عمليات ارهابية في واشنطن ونيويورك نجحت ثلاثة منها وفشلت الرابعة. نتج عن هذه الاعتداءات مقتل اكثر من 3000 مواطن أمريكي، وهدم برجي مبنى مركز التجارة العالمي الذي يمثل رمز القوة في الاقتصاد الامريكي، واصابة البنتاغون مركز قيادة الجيش الامريكي ورمز قوته وعنجهيته باضرار بالغة.
اعتبر الرئيس جورج بوش حينها أن القاعدة قد اعلنت الحرب على بلاده، وتوعد باستئصال الارهاب والارهابيين من العالم، وأعلن بدوره الحرب على الدول والمنظمات التي ترعى الارهاب وتستضيف الارهابيين وتوفر لهم الحماية والرعاية والتدريب ووضعها على قائمة الارهاب الدولي. وُضِعت كوريا الشمالية وايران وأفغانستان وباكستان على رأس قائمة الدول وظلت سوريا مهددة، والقاعدة وحزب الله وحماس وبوكو حرام وبعض المنظمات الاخرى في الصومال ومالي واندونيسيا…
شَمَّر الرئيس التكساسي عن زنوده ولبس ثياب المعركة وتصدر الاعلام لسنوات عديد طويلة وبدأ بتشكيل تحالف من الدول والجيوش، وصنّف العالم بعنجهية منقطعة النظير الى من هو مع أمريكا ومن هو ضدها دون أن يترك مجالاً لأي موقف حيادي على الاطلاق. حُشِدت مئات الآلاف من الجيوش وتحركت حاملات الطائرات والبوارج وأجبرت عدد من الدول العربية على التنازل عن سيادتها والسماح بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها وخنع النظام السوري وانضم الى التحالف.
قاد بوش خلال ولايتيه أعتى الحروب في العصر الحديث وأكثرها تكلفة – باسم مكافحة الارهاب ونشر الديمقراطية، فقتل مئات الآلاف من المدنيين وهدم المدن والبنى التحتية وسرق الآثار وهجّر الملايين ورسّخ الصراع الطائفي في العراق. هاجم طالبان ودكّ معاقلهم واستباح أراضي باكستان واليمن والصومال. أنشأ المعتقلات في غواتانامو وأبو غريب والعديد من الدول الاوروبية الشرقية وأصدر القوانين الاستثنائية التي تستبيح كل ما طورته الانسانية خلال قرون في مجال اعطاء الانسان حقوقاً تتماشى مع تطور الحضارة، وبات العالم يعيش حقبة بقيادة تحالف مخابراتي أمني مخيف على مستوى العالم. أُنفقت آلاف المليارات (وسمع العالم لاول مرة انفاقا بترليونات الدولارات) وانتهى الامر بذهاب بوش من البيت الابيض واعتراف خلفه اوباما بخطأ السياسة الاميريكية وقرر الانسحاب من افغانستان والعراق وتركهما الى مصيرهما الحالك والفوضى الخلاقة التي مهرت بختم “صنع في أمريكا”.
بعد 13 سنة من اعلان الحرب على الارهاب، ازداد هذا الارهاب بشكل كبير وتحول من ارهاب بعض الافراد والمنظمات الى ارهاب عدد من الدول – أنظمة وجيوشاً وأجهزة مخابرات. دُمِّرت أفغانستان وانقسمت العراق طائفياً وقتل الملايين من المدنيين الابرياء مقابل عدد محدود جداً من الارهابيين والجيوش الغازية.
بعد 13 عاماً من اعلان الحرب على الارهاب، تنوعت الاسلحة المستخدمة من الطرفين وكانت النفوس البريئة من أطفال ونساء وشيوخ – وقودها وأهدافها! ظهرت المناظير الليلية وأسلحة الليزر الفتاكة والطائرات بدون طيار والطيارات القناصة من آلاف الكيلومترات والصواريخ الزكية والقنابل العنقودية المتعددة الرؤوس. تطورت اسلحة الارهابيين وتنظيماتهم وأعدادهم ومستوى تمويلهم. انتقل الارهابيون الى أكثر من دولة واصبحوا يعدّون بعشرات الآلاف. استطاعوا السيطرة على مساحات جغرافية كبيرة من الارض حتى اعلنوا مؤخراً عن تشكيل “الدولة الاسلامية في العراق والشام”. أصبح للارهابيين ايديولوجيات يروجونها وتمويل على مستوى الدول من منابع نفط سُمح لهم باحتلالها والاحتفاظ بها لاستثمارها وشبكة من البنوك وشركات التأمين الاسلامية ودول اقليمية ورجال أعمال، بالاضافة الى تجارة التهريب والممنوعات والسلاح والمخدرات والخطف والقتل والسرقة والابتزاز. انهارت الجيوش النظامية خوفاً منهم وتأكدت قبل اخلاءها لمواقعها أن تترك أسلحتها الثقيلة من دبابات ومدفعية وصواريخ وأسلحة نوعية شديدة الفتك سالمة من كل أذى – لكي تكون غنيمة يمكن للفائز بها استثمارها. ازداد الارهاب في العالم أجمع وتنوع شكلاً وتسليحاً كل ذلك على مرآى ومسمع من الدول الكبرى التي تفرض الرقابة المالية والعسكرية والاستخباراتية على الاشخاص في العالم فما بالنا المنظمات الارهابية. ثمة رقابة صارمة على تحويلات الالف دولار فكيف تصل ملايين الدولارات الى الارهاب؟ أين استخبارات الدول المتقدمة وأقمارها الصناعية التجسسية التي أصبحت بمقدورها التعرف على شخص يسير وهو في منزله. هل ما نشهده الآن من خطر داعش وأخواتها جاء بالصدفة أم هو نتاج لفشل النظام العالمي أو ربما على العكس رغبة عدد من القوى الكبرى ازكاء الحروب وتشكيل بؤر توتر في مناطق بعينها من العالم أو بالقرب منها أهمها في الدول ذات الاهمية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وبخاصة المناطق الغنية بالبترول والمواد الاولية ومناجم الماس واليورانيوم والذهب؟
البارحة طلّ علينا أوباما، الرئيس الامريكي المثقف الودود ابن جامعة هارفرد، الرئيس الذي دعا منذ تسلمه الحكم الى انهاء الحروب واغلاق السجون وايقاف حكم الكاوبوي الذي قاده بوش الابن. وعد اوباما أمريكا والعالم بفترة رخاء واستقرار – أخلاقية على الأقل، ووقف أمام طلاب الجامعات وبرلمانات الدول ليعلن ولادة أمريكا الاخلاقية الجديدة ذات القيم والمبادئ والتي سوف تحافظ على حقوق الانسان وحقوق الحيوان. وعد الرئيس الاسطوري – صاحب شعارات “التغيير” و”نعم نستطيع” – حلفائه بالتعامل معهم باحترام وطلب من الشباب العربي التوجه الى الديمقراطية ووعد وأكثر من الوعود…. وبعد 6 سنوات من حكمه تبيّن للعالم أن الرئيس الامريكي الذين وضعوا آمالهم عليه – وكيف لا؟ وهو من مكون أمريكي عانى الاضطهاد لاجيال وما زال يعاني – هو خطيب محترف وقادر على التلاعب بالالفاظ والافكار ببراعة ولكنه غير كفؤ على اتخاذ القرارات، إنه رئيس متردد لا يهتم لوعوده ولا للخطوط الحمراء التي يرسمها لخصومه ولا للتصريحات التي يعلن فيها على الملأ بقرب نهاية فترة حكم ديكتاتور – وغير ذلك من الوعود والمواقف الصلبة الشكل والهلامية المضمون، إنه رئيس يهتم بلفظ بتركيب وصياغة الجمل الخطابية واختيار الكامات المنمقة لا بتطبيق ما تعنيه أو ربما يعني عكس ما يقول وعلى السامع تحليل الموقف وفهم المقصود. عنى أوباما عندما صرح بأنه سوف يحترم حلفائه في اوروبا والعالم ويتعامل معهم كشركاء في صنع القرار بأنه سوف يتجسس عليهم وعلى مكالماتهم لكي يستطيع توجيههم لما يريد – والسيدة ميركيل ليست أول أو آخر ضحاياه.
طلّ علينا الرئيس الامريكي من جديد داعياً لتشكيل تحالف دولي عسكري ومالي وسياسي والاهم مخابراتي للقضاء على داعش الفريق الأخطر اليوم على خارطة الارهاب العالمي. أرسل وزير خارجيته الى العراق والخليج ليعقد المؤتمرات لحشد قوى التحالف وتوزيع الادوار – عسكريا وسياسياً ومالياً واغاثياً – دفاعاً وهجوما ورقابة وحظر وتوريد ولوجستيات واعلام.
سؤالي الى السيد أوباما؟ كيف تشكلت داعش؟ هل أمريكا بريئة من كل ماحصل؟ واذا كانت بريئة فمعنى ذلك أن أمريكا والعالم الحر هم دول فاشلة بكل المقاييس وأن العالم يشهد فترة من الظلام الحالك السياسي والاخلاقي لن ينتهي الا بشاكلة جديدة من حرب كونية ثالثة قد لا تكون تقليدية ولكنها قطعاً ستكون الاكثر تدميراً مقارنة بما سبقتها. داعش أوجدت ولم تلد بالصدفة. داعش وليدة تقاعس سياسي وتخطيط استخباراتي دولي على أعلى مستوى ومن أكثر من دولة ونظام. بقاء الاسد ليس بسبب فشل الثورة بل لانه لم ينهي الدور الذي أوجد ابوه النافق منذ سكوت العالم على اجرامه في الثمانينات من القرن الماضي. نعم للاسد وداعش دور مرسوم وفاعل في سياسة الفوضى الخلاقة التي من المفترض أن تنتهي بترتيب اقليمي جديد ينهي حقبة سايكس بيكو، وتوازن عالمي استراتيجي وأممي جديد ينهي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
قال أوباما وهو محق طبعاً في ذلك أن المعارضة السورية لم تبرهن على مصداقيتها وأنه يتوجب عليها أن تتوحد وتتمتع بنفوذ على الداخل السوري قبل أن تقوم أمريكا بدعمها ومشاركتها في صنع القرار.
يا سيادة الرئيس أين هي مصداقيتك؟ أين هي معاييرك الاخلاقية والسياسية والعسكرية التي وضعتها؟ ألا تحتاج أنت أيضاً أن تبرهن للعالم وللشعبين السوري والعراقي عن مصداقية الولايات المتحدة التي تقودها وادارتها المراوغة. أنصحك أن تقتني مرآة الحقيقة والصدق والشهامة والفروسية والمبادئ والاخلاق – مرآة المعايير الانسانية – وتنظر فيها كل ليلة قبل النوم وتسأل نفسك ماذا فعلت اليوم؟ ترى هل ستحترم نفسك بعدئذ؟
الى الشعب السوري أقول: داعش وجدت لتبقى والنظام السوري ما زال يلعب في الوقت الضائع ولم يصل الى ضربات الجزاء الترجيحية لانه سيخسرها دون أدنى شك فمرماه مكشوف وحارس مرماه غيبه أطفال درعا ودماء مئات الآلاف من شهداء الثورة السورية. الطريق طويل طالما السيد أوباما في البيت الابيض. لا تصدقوا كل ما يقال، قدرنا أن نقاتل من أجل حريتنا وللاسف حرية العالم. أرضنا استبيحت من أصدقاءنا وأخوتنا وجيراننا والنخبة من معارضينا والنظام العالمي اللاخلاقي. هذه الجيوش التي ستتحرك هدفها اعلامي واقتصادي فقط. انهم يريدون أن يوحوا الى مواطني بلادهم أنهم سوف ينتقمون لاعلامييهم التي قطعت داعش المجرمة رؤؤسهم لاعطاء العالم ذريعة التدخل. داعش ستبقى في حرب كر وفر في سوريا والعراق وعلى حدود الجيران لانه يراد لها أن تبقى لبضع سنوات قادمة أقلها 2018.