theme-sticky-logo-alt
theme-logo-alt

الصراعات السياسية في تركيا وانعكاساتها المحتملة على الأزمة السورية والسوريين

0 Comments

شاهدت بقلق في الأسابيع الماضية التنافس السياسي الذي احتدم في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا؛ البلد الشقيق والجار الذي يعتبر الديمقراطية الثانية في الشرق الأوسط – للأسف – بعد ديمقراطية العدو الصهيوني.

عاشت تركيا منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى وحتى الآن محطات هامة ومصيرية شكلت منعطفات خطيرة في مسيرتها السياسية وتطورها الاجتماعي الذين أوصلاها إلى ما هي عليه اليوم من حالة حضارية ودولة مدنية مهمة في الشرق الاوسط لها ثقلها الاقتصادي والتجاري والصناعي والسياسي والعسكري إضافة إلى أرثها التاريخي المميز بسلبياته وإيجابياته.

المحطة الأولى كانت ظهور مصطفى كمال أتاتورك الضابط الشاب في الجيش التركي الذي وصل الى الحكم بتغيير من خلال مجلس النواب كان بمثابة انقلاب دستوري أبيض ونتاجاً طبيعياً للنتائج التي تمخضت عن انتهاء الحرب العالمية الأولى وخسارة الدولة العثمانية الحرب وانكفاءها الى الحدود التي هي عليها الآن. غيّر مصطفى كمال باشا أتاتورك غيّر وجه تركيا؛ فحولها من دولة تعيش بفكر عثماني متحجر يخلط أساساً بين الدين والسياسة بعشوائية انتقائية تهدف الى السيطرة على المجتمع – فالسلطان كان هو خليفة المسلمين، إلى جمهورية مدنية حضارية تفصل بين الدين والدولة وتحرّم على العسكر الانخراط في الأحزاب والعمل السياسي. انتخب أتاتورك كأول رئيس للجمهورية التركية العلمانية، حيث ألغى الدستور الجديد الهوية الاسلامية للدولة. قام أتاتورك باتخاذ قرارات في السياق نفسه تعزز علمانية الدولة، فمنع الحجاب في المدارس والدوائر الحكومية تاركا الخيار لارتداء المنديل وغير ذلك من القوانين. دخل أتاتورك التاريخ من أوسع أبوابه واعتبر بعد وفاته في 1953 أبو الدولة التركية الحديثة وما زال حتى اليوم البطل القومي لدى أغلبية الشعب التركي، حيث ما زالت صوره تعلق في الدوائر الحكومية والشركات الخاصة وحتى المنازل كتعبير عن الاعتزاز بالانتماء الوطني والقومي.

بعد وفاة أتاتورك أخذ الحكم التركي صيغة الحكم المدني تحت اشراف المؤسسة العسكرية التي كانت الجهة التي لها القرار الأخير سواء في الشؤون الداخلية أو الخارجية. شهدت تركيا على مدى العقود الأربعة التي تلت غياب رمزها الوطني الأول حياة سياسية انتابتها الصراعات بين اليمين واليسار، وعدد كبير من الاغتيالات السياسية، ومشاكل كثيرة مع مختلف الأقليات التي تعيش في كنفها، وعلى رأسهم الأكراد الذين يعيشون في مناطق شاسعة في جنوب تركيا على الحدود السورية التركية. شهدت تركيا عدة تدخلات معلنة من المؤسسة العسكرية في ما كان من المفترض أن يكون حكماً ديمقراطياً؛ من هذه التدخلات ما أخذ شكل انقلابات عسكرية أو إنذارات (عام 1960 و1971 و1980 و1993 و1997، وكان آخرها محاولة انقلاب عام 2009 الذي أثير حولها جدلاً كبيراً. فالحكم في تركيا كان لعقود عديدة ديمقراطي الواجهة أمني النفوذ؛ مارست القوى الأمنية خلال هذه السنين شتى أنواع القمع والظلم والبطش والاغتيالات حتى انتهت الصراعات الى تعزيز الديمقراطية والاحتكام الى صناديق الاقتراع وتحييد العسكر ووضع السلطة الأمنية تحت سيطرة القانون والقضاء.

لست هنا بصدد التدخل في الشؤون السياسية الداخلية في هذا البلد الطيب الذي استضاف السوريين، بكل أشكالهم وانتماءاتهم ومكوناتهم، ومكّنهم من الاستمرار في ثورتهم، وفتح لهم مجال الهجرة والعمل والدراسة وممارسة النشاط التجاري والصناعي والسياسي ووفر لهم العلاج الصحي والاستشفاء متفوقاً – بما قدمه – على كل من يدعي بأنه شقيق أو أخ.

ما يقلقني هو مقدار التحول الذي يمكن أن يحصل في القوانين التركية بشأن السوريين ووجودهم في حال تغير نظام الحكم الحالي في تركيا.

فتركيا في الثلث الاخير من القرن الماضي لم تكن قريبة من العرب بقدر قربها من اسرائيل. لقد كانت الحكومات التركية السابقة تعتبر تقرّبها من اسرائيل هو بطاقة خضراء لدخولها أوروبا ونيلها رضا أمريكا. ولكن منذ قدوم حزب العدالة والتنمية الى الحكم بدأ التحول الكبير في السياسة التركية نحو الدول العربية وأفريقيا باعتبارهم الامتداد الحضاري الطبيعي لتركيا في جميع المجالات: الثقافيي والديني والسياسي والتجاري والصناعي والاقتصادي. فقد اتهم الحزب بأنه “حزب العثمانيين الجدد”، وهو ما أقره الحزب من خلال أحد قادته وزير الخارجية أحمد داود أوغلو حيث قال في 23 نوفمبر 2009 في لقاء مع نواب الحزب: (إنّ لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون عنّا أننا العثمانيين الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. فنحن نجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا. نحن ننفتح على العالم كله والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب. وخاصة فرنسا التي تفتش ورائنا لتعلم لماذا ننفتح على شمال أفريقيا. لقد أعطيت أوامري إلى الخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في أفريقيا سفارة تركية وعليها العلم التركي، وأكدت على أن تكون سفاراتنا في أحسن المواقع داخل الدول الأفريقي(أتى ذلك في اطار تخصيص أوغلو بالذكر لفرنسا وساركوزي لرفض الرئيس الفرنسي بشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي).

في آذار 2003، أصبح رجب طيب أردوغان الديمقراطي ذو التوجه الديني المعتدل (وعمدة اسطنبول من 1994 – 1998) رئيساً لوزراء تركيا. هو رجل عصامي طموح ذو شخصية فذة، أتى من بيئة فقيرة وعمل وهو تلميذاً لكي يتمكن من اكمال دراسته. بقي أردوغان رئيساً لوزراء تركيا حتى آب 2014 حين انتخب رئيساً لجمهورية تركيا. أراد أردوغان بالفعل خلال مدة رئاسته، أن يجعل من تركيا دولة اقليمية ذات نفوذ مهم في منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا وكأنه بالفعل يريد أن يعيد احياء الدولة العثمانية ولكن بجلباب سياسي واقتصادي واجتماعي آخر. ولأردوغان طموح شخصي وحلم كبير وهو أن يكون بطلاً قومياً فذاً وزعيماً اقليمياً يدخل التاريخ من أوسع أبوابه كما فعل أتاتورك من قبل. لذا عمل أردوغان على إرساء الديمقراطية وتعزيز الاقتصاد، وعينه على تأهيل تركيا للانضمام الى السوق الأوروبية المشتركة من جهة، والبروز كزعيم اسلامي واقليمي كبير يدعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، موسعا علاقاته مع الدول العربية ودول الشرق الاوسط والخليج وأفريقيا. اختار أردوغان أن يقوي علاقاته مع سوريا الجارة (في ظل وجود رئيس شاب جديد فيها)، ويقلب صفحة العلاقات السيئة والمتوترة التي طبعت علاقات البلدين خلال حكم الأسد الأب الذي كان يرعى نشاط حزب العمال الكردستاني مستضيفاً زعيمه عبد الله أوجلان حتى عام 1998؛ حين تخلى عنه خوفاً من سقوط نظامه إثر تهديد تركي باجتياح سوريا أرفقته بحشود عسكرية كبيرة على الحدود. هدف أردوغان من سياسته السورية الجديدة هو جعل هذا البلد الجار جسر عبوره الى تحقيق طموحه الكبير. فتركيا تمتلك مع سوريا حدوداً تمتد على مسافة 822 كلم وهي بوابة الترانزيت الاولى الأكثر أمانا للسلع التركية الى دول الخليج مقارنة بالعراق آنئذ. عزز أردوغان العلاقات التركية السورية على المستوى الشعبي وفي الوقت ذاته خلق صداقات شخصية قوية مع العائلة الديكتاتورية الحاكمة فيها.

من ناحية أخرى وقف أردوغان موقفاً مميزاً على مستوى القضية الفلسطينية وكسب الى جانبه الشارع العربي والاسلامي، فانتقد بشدة الغزو الاسرائيلي لغزة والتصرفات الاسرائيلية في القدس والقمع الاسرائيلي في الضفة الغربية. كانت مواقف أردوغان حازمة ومؤثرة؛ رفض مصافحة الرئيس الاسرائيلي بيريز في المؤتمر الاقتصادي في داسو بسبب غزو اسرائيل لغزة، وسير قوافل بحرية لكسر الحصار البحري عنها، مما أدى الى الوصول الى القطيعة الكاملة بين البلدين وسحب السفراء.

وعند انطلاق ثورات الربيع العربي، طمح أردوغان بأن يكون نموذج حزب العدالة والتنمية في حكم تركيا هو نتاجاً لهذه الثورات لأنه يحقق مطالبها؛ فقد نجح حزبه في تطبيق الديمقراطية وتوفير الحرية لتركيا مرتكزاً على الخلفية الاسلامية الدينية المتأصلة في الثقافة التركية وهي تحاكي الحالة في الشارع العربي. أقنع أردوغان أمريكا بنظريته وحاول نشرها وتطبيقها سلمياً مرتكزاً على الرصيد الذي صنعه في الشارع العربي ولدى الحكام العرب خلال سنين قليلة نتيجة لمواقفه الشجاعة. فدعم وصول الاخوان المسلمين الى الحكم في كل من تونس ومصر، وحاول نصح النظام السوري بالقبول والاستجابة لمطالب الشارع أملاً في أن يشارك النظام إخوان سوريا لأنهم القوة السياسية الوحيدة التي كانت منظمة فيها. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن؛ فالنظام السوري رفض تدخل الصديق أردوغان في شؤونه وجنح الى تحويل المطالبات الشعبية السلمية إلى ثورة مسلحة لكي يشرعن لنفسه قمعها. والاخوان المسلمون في مصر لم يكونوا جاهزين لاستلام السلطة فأخفقوا شر إخفاق، واستنفرت القوى المعادية للربيع العربي طاقاتها كاملة لكي تلتف على الثورات، مما دفع أمريكا إلى تغيير موقفها وتبني موقف ادارة الأزمات بدلاً من حلّها معتمدة على الفيتو الروسي الصيني من أجل سوريا، ووهن الأمم المتحدة والجامعة العربية، وتوجس دول الخليج من نتائج ما يجري ومستوى انعكاساته عليها في حال نجاح هذه الثورات. وفجأة تغيرت المعطيات وأصبح أردوغان في موقف بعيد عن طموحاته الوطنية والشخصية على مستوى العالم العربي، ووجد نفسه متورطاً تورطاً كبيراً في المستنقع السوري والعقابيل التي تبعت الأزمة السورية التي تحولت الى تهديد سياسي وديماغوجي يطرح تحديات خطيرة على الداخل التركي بقدر ما يهدد الاستقرار على حدود تركيا الجنوبية ودورها الاقليمي في المنطقة.

ومع تطور الأزمة في سوريا، ونجاح ايران والنظام المجرم في دمشق الى الدفع بالثورة نحو تحويل سوريا والمنطقة الى أرض تحتضن الارهاب ومسرحاً للاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي. ومع تنحي أمريكا عن موقفها كدولة عظمى واكتفاءها بإدارة الأزمة في المنطقة بما يصب في مصلحة اسرائيل، ويعطيها المدة الكافية للتعامل مع الملف الايراني؛ وجد أردوغان نفسه في موقع تاريخي وحساس يتطلب منه تحويل استراتيجيته واتخاذ مواقف جريئة على المستويات الداخلية والاقليمية والعالمية سوف يسجلها التاريخ له ولتركيا.

في الداخل التركي خسر حزب التنمية والعدالة أغلبيته البرلمانية، وتمكن حزب الشعب الديمقراطي الكوردي الحصول على 12.9% من الأصوات ودخول البرلمان مما وضع حزب العدالة والتنمية أمام خيارين ديمقراطيين: تشكيل حكومة ائتلافية أو الدعوة الى انتخابات جديدة.

كان أردوغان يطمح من خلال نجاح حزبه في الانتخابات توسيع صلاحيات الرئيس التركي وتحويل الحكم في تركيا الى حكم رئاسي من خلال تصويت برلماني دستوري مضمون النتائج، لذا، وضع كل ثقله الشخصي والسياسي لدعم حملة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وهي ما اعتبره النقاد تجاوزاً رئاسياً انعكس سلباً على الشارع الانتخابي.

وضعت نتائج الانتخابات داوود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية في وضع المسؤول عن هزيمة الحزب، وبالتالي فتحت المجال لاجراء مراجعة داخل الحزب لتحديد سبب تراجع التأييد الشعبي؛ هل هي سياسات حزب العدالة والتنمية الداخلية أوالخارجية؟ هل هي الفضائح المالية والرشاوى وسوء استخدام النفوذ؟ هل هو موقف الحزب وتقاربه من الاقلية الكوردية؟

ضَغَط أردوغان على أوغلو لكي لا يعترف بالهزيمة؛ فأعلن الأخير فوز الحزب (فوزاً افتراضياً) في الانتخابات محاولاً بذلك قطع الطريق على فتح أي مراجعة حزبية داخلية – في الوقت الحالي على الأقل. فأوغلو اعتبر بأنّ حصول الحزب على أعلى نسبة من الأصوات هو فوز بحد ذاته متجاهلاً أن الحزب خسر نسبة تزيد عن 13% من أصوات الناخبين تحولت عنه لصالح أحزاب أخرى مما أدى إلى – خسارته للأغلبية البرلمانية.

من ناحية أخرى، شهدت المنطقة تطوراً كبيراً للأحداث أدى إلى تحويلها إلى فسيفساء من مناطق اقتتال وصراعات ونفوذ طائفي وأثني وإرهابي (سني، شيعي، كوردي، وميليشياوي بإدارة أميريكية اسرائيلية وتوافق روسي ولاعبين دوليين واقليميين). على الرغم من اختلاف مصالح اللاعبين وأصحاب القرار في المنطقة، تقاطعت جميعها في عدد من الأمور (انتهاء مرحلة سايكس بيكو، وضرورة ايجاد تقسيمات جديدة في المنطقة تراعي من جهة مصالح القوى العظمى الجديدة على حساب تراجع دور بريطانيا وفرنسا في اتفاق سيكس بيكو، وتراعي في الوقت ذاته بروز قوى إقليمية لا بد من أخذ مصالحها بالاعتبار وتوزيع الأدوار السياسية والعسكرية التي ستناط إليها في القرن القادم).

مما هو واضح أيضاً أنّ الاستراتيجية الجديدة لم يُتَفَق عليها بعد بين المخططين لها، وأنّ سيناريو توزيع الأدوار والنفوذ في المنطقة لم يجهز بعد: مما يترك المجال مفتوحاً لفترة زمنية طويلة تقدر بعقد من الزمن على أقل تقدير سوف تستمر فيها حالة الفوضى الخلاقة في الشرق الآوسط التي أطلقتها إدارة بوش الأبن، والتي توضح معناها اليوم بأنها حروب واقتتالات بين مختلف المكونات الاثنية والطائفية في الشرق الأوسط – يجعل منه بيئة مثالية لنمو الارهاب – ويدفع بشعوب المنطقة بالتشرذم والانقسام والابتعاد عن الانتماء الوطني والكفر به – إنه ببساطة كسر إرادة الشعوب واغتصاب أحلامها في الوحدة والحرية والديمقراطية والتعايش والمساواة، وتركيعها لقبول أي حلول تطرح عليها من الخارج مستقبلاً.

في ظل هذا المحيط الهائج من شرق أوسط معقد ورؤية سياسية ضبابية وحلول واستراتيجيات غير ناضجة، على أردوغان والحكومة التركية أن تبحر محصنة جبهتها الداخلية من الانقسامات والنزاعات الطائفية والاثنية، ومدافعة عن حدودها الخارجية وأمنها القومي، وفارضة دورها الاقليمي على مائدة المخططين الاستراتيجيين. هذا يتطلب ابحاراً شاقاً سياسياً وأمنياً واجتماعياً وحتى عسكرياً.

كلف أردوغان داوود أوغلو لتشكيل حكومة تحالف جديدة. والسناريوهات المطروحة هنا هي:

قيام حزب العدالة والتنمية بتشكيل حكومة اقلية، وفي هذه الحالة لايمكن للحكومة ان تمرر مشاريعها والقوانين التي تريدها كما تشاء ولابد لها أن تتجه نحو التعامل البناء مع باقي الاحزاب وتشارك آرائها في القرارات التي تنوي الحكومة اتخاذها.

قيام حزب العدالة والتنمية بتشكيل حكومة ائتلافية مع احد الاحزاب وفي هذه الحالة فإن امكانية حصول الائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب الشعب الجمهوري او حصول ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب الحركة الوطنية هو احتمال ضعيف ولذلك يبقى الخيار الوحيد هو التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، ورغم وجود حالة عداء بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي اثناء الحملة الانتخابية واتخاذ كل من الحزبين مواقف متشددة تجاه الآخر لكن هناك احتمال لايجاد تحالف بينهما الآن، عندها يتوجب على حزب العدالة والتنمية في هذه الحالة أن يقدم امتيازات كثيرة لحزب الشعوب الديمقراطي خاصة في مجال زيادة دعمه لحقوق الاقلية الكوردية على صعيد مناطق الحكم الذاتي، وكذلك وحدات حماية الشعب السوري الكوردية والأقليات الأخرى.

في حال عدم تشكيل حكومة خلال الـ ٤٥ يوماً المقبلة، يتبقى لحزب العدالة والتنمية سناريوهان: أولهما التحول الى حزب المعارضة أو الدفع بإعادة إجراء الانتخابات البرلمانية. ونظراً للمواقف المتباينة التي تبديها العارضة الشديدة بين الأحزاب الثلاثة الأخرى لسياسات حزب العدالة والتنمية فقد يؤدي الأمر إلى خلق مشاكل كبيرة أمام تشكيل حكومة أقلية أو حكومة ائتلافية ولذلك هناك احتمال لاعادة الانتخابات في تركيا. وتتم عملية اعادة الانتخابات في تركيا بقرار من قبل البرلمان أو من قبل رئيس الجمهورية حيث يجب اجراء هذه الانتخابات بعد قرار البرلمان او قرار رئيس الجمهورية في فترة لاتتعدى الـ ٣ اشهر، غير أن سلوك هذا النهج خطر على الحزب لأن نجاحه بالحصول على الأغلبية المطلقة – وهو ما يسعى اليه – في انتخابات قادمة غير مضمون على الأقل ومن المرجح عكس ذلك.

عندها يطرح السؤال التالي: هل يمكن للأحزاب الأخرى أن تشكل حكومة ائتلافية فيما بينها؟ وما هو تأثير ذلك عندها على السوريين في تركيا وعلى الأزمة السورية بشكل عام؟.

على الرغم من بعض التصريحات التي أطلقها رئيس الحزب القومي من أن حزبه لديه مواقف مختلفة عن حزب العدالة والتنمية بشأن الأكراد والتقارب مع النظام السوري وخفض الدعم للمعارضة والجيش الحر في حال وصوله الى الحكم، يعتقد النقاد بأن السياسة التركية الحالية لا تعكس سياسة حزب العدالة والتنمية فقط بل هي سياسة دولة ذات مؤسسات ترتكز على مصلحة قومية واستراتيجية وطنية، وبالتالي من غير المتوقع أن يحدث أي تغيير جذري في الوقت الحالي مهما كانت هوية الحكومة الجديدة التي ستحكم تركيا.

في ظل هذه التقاطعات، يظل أردوغان العنصر الأقوى الذي يعلم من يعرف شخصيته أنه لن يستسلم وأنه قادر على قلب الاوراق الداخلية والخارجية. فتوسع كل من داعش ومجموعات الحماية الكوردية على الحدود الجنوبية لتركيا يشكل خطراً كبيراً على أمنها الوطني ويهدد بشكل خطير استقرارها الداخلي. هذا ما دفع أردوغان بالايعاز الى الحكومة دعوة القيادات العسكرية لوضع خطط بسيناريوهات متعددة للتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر في سوريا حفاظاً على الأمن القومي التركي وتعزيزاً لدور تركيا الاقليمي في المنطقة. فالتدخل العسكري التركي في سوريا سيحصن الوحدة الداخلية ويعزز موقف حكومة العدالة والتنمية ويبرز أهمية دور تركيا كلاعب اقليمي أساسي لا يمكن التغاضي عن دوره في المنطقة ويحصن الوضع الداخلي ويعتبر التفافاً استباقياً على كل ما يمكن أن يؤدي الى امتداد الانقسام والشرذمة الى الداخل التركي. وأخيراً، يؤجل كل ما سيق البت بامتيازات الرئاسة التي يطلبها أردوغان وبالتالي تأخذ هذه المسألة مهلة إضافية على أمل حصول بعض التغييرات التي قد تعزز قبولها، والأهم هو أن تبقي قائمة أحلام أردوغان بأن يدخل التاريخ كبطل قومي وزعيم اقليمي.

Previous Post
العيد السبعون لمنظمة الأمم المتحدة – هل هي قصة نجاح أم فشل؟
Next Post
إضاءات لحل الأزمة في سوريا والمنطقة

0 Comments

Leave a Reply

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

15 49.0138 8.38624 1 0 4000 1 https://fahedbacha.com 300 0